فلسطين أون لاين

تقرير جلدُ الذات.. سلوك قد يتحول إلى مرض نفسي أو فرصة للنهوض

...
جلدُ الذات.. سلوك قد يتحول إلى مرض نفسي أو فرصة للنهوض
غزة/ هدى الدلو:

تجاوز النظر في مفهوم "جلد الذات" المجرد سبرًا سطحيًا للحديث عن تأثيراته العميقة على الصحة النفسية للفرد. وإذ يستخدم المصطلح على نطاق واسع في الأوساط النفسية والاجتماعية لوصف العملية التي يخضع لها الفرد لتقدير نفسه وقيمته الشخصية، ثمة من يتساءل ما إذا كان ذلك يعني حربًا بين النفس وذاتها.

الشابة العشرينية نرمين، كثيرًا ما تلوم أو تجلد ذاتها من جانب المهارات وقدرتها على تحقيق النجاح.

تقول: "أعاني من هذه المشكلة بشكل واضح وقد أثرت على جوانب مختلفة من حياتي. لدي شكوك في قدرتي على النجاح وتراجعت ثقتي بنفسي، ولم أعد استثمر الفرص المهمة أو أقوم بتأجيلها بسبب شعوري أني لا استحقها".

وبسبب تلك المشكلة، تعاني نرمين من القلق والتوتر، وتميل للعزلة الاجتماعية والابتعاد عن أصدقائها خشية انكشاف شخصيتها أمامهم، إلى جانب تراجع إنتاجيتها في العمل، كما تخبر. 

أما والدة الطفل هيثم ذو الخمسة عشر عامًا، والذي يعاني من سمنة زائد، فيجلد ذاته دومًا بأنه غير محبوب ويخشى أن يواجه بالصد في تكوينه للعلاقات الاجتماعية مع أقرانه.

وتقول الأم إن ابنها يشعر وكأنه لا يستحق محبتهم واهتمامهم بسبب السمنة التي يعاني، مما أفقده ثقته بنفسه.

أسباب وعلامات

ويختلف جلد الذات عن تأنيب الذات، فالأول يعد من الأمور السلبية التي تفسد حياة الفرد، أما التأنيب فيعد أمرًا إيجابيًّا ويساعد المرء في معرفة أخطائه وتصحيحها عند وقوعها.

ويرى خبراء أن أسباب جلد الذات كثيرة، منها الهروب من الفشل، الجهل، الانطواء، الفراغ، عدم الشعور بوجود الأمل، تكرار الأفكار السلبية، الخمول وعدم ممارسة الرياضة، عدم الثقة بالنفس والتأثر بكلام الآخرين.

ويعرف الاختصاصي النفسي الاجتماعي د. إبراهيم التوم، جلد الذات بأنه لوم دائم للنفس ومراجعتها بكل صغيرة وكبيرة والندم على الأفعال واتهامها بالتقصير، وهو عدم إعطاء النفس الحق بالخطأ ومحاولة الوصول إلى المثالية التي لن يصلها أحد أبدًا، "لأننا باختصار (بشر) نخطئ ونصيب".

ومن علامات جلد الذات، المزاجية والشعور السلبي المستمر، والشعور المستمر بالخجل، والشعور المستمر بالخمول والكسل، والشعور المستمر بوجود ألم في الجسد مع غياب مرض عضوي يعاني منه الفرد، والانطواء والشعور المستمر بالحزن والاكتئاب، والقلق المستمر والأرق وفقدان التركيز بسبب تشتت الذهن، والانشغال بالأفكار السلبية، الكوابيس الدائمة.

وينبه التوم إلى أن الجلاد قد لا يكون الشخص نفسه، "فقد يكون الجلاد أقرب شخص لك، قد تكون أمك، أبوك، أختك، أخوك، صديقك المقرب".

ويقول: "جلد الذات ليس مرضًا نفسيًا بذاته، ولكنه قد يكون جزءًا من مرض فيظهر جليًا مثلًا لدى المصابين بالاكتئاب ويظهر أيضًا لدى الأشخاص الذين يتسمون بسمات الشخصية الوسواسية المثالية، والذين يكون جلد الذات لديهم أكثر من غيرهم حيث لا يرضون لنفسهم التقصير ويلومون أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة".

مخاطر ونصائح

ولجلد الذات آثار سلبية كبيرة على الفرد، حيث يفقد الشخص ثقته بنفسه ويشعره أنه مهما عمل سيكون مقصرًا فيدخل في دائرة مفرغة لا يخرج منها تنتهي بمضاعفات نفسية كالاكتئاب الذي يتعزز بطريقة التفكير.

ويدفع جلد الذات ممارس إلى الشعور دومًا بعدم الاكتفاء، ويتطور هذا الشعور إلى حد تقليل الأداء في العمل أو التحصيل الأكاديمي، وعندما يكون جلد الذات مصدرًا مستمرًا للنقد والانتقاد الشديد، قد يؤدي ذلك إلى الاكتئاب، تبعًا للاختصاصي النفسي الاجتماعي.

وينصح للتخلص من جلد الذات بالتخلص أولًا من الأفكار السلبية، وتقسيم الأحلام الكبرى إلى أهداف صغيرة، وقضاء أوقات الفراغ في ممارسة الهوايات الشخصية، وإحاطة نفسك بالأشخاص الإيجابيين والداعمين، إلى جانب احتواء وحب واهتمام الأسرة للشخص، والتقرب من الله.

ويدعو التوم كذلك إلى التعرف على نقاط الضعف ومقاومتها دون أن يحمل الشخص نفسه فوق طاقتها، وتعلم كيفية تحقيق التوازن الحياتي دون لوم أو عتاب، واللجوء لطلب المساعدة من مختص نفسي عند الضرورة.

وإذ يلفت إلى أن البعض قد يجد في جلد الذات وسيلة دفاعية تحفيزية لاكتساب مهارات جديدة، يشدد على أن جلد الذات ليس حربًا نفسية بحد ذاته، ولكن كيفية التعامل معه يمكن أن يجعل منه ألمًا أو فرصة للنمو والتطور الشخصي.