لم تقتصر آثار عمليات المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية على استعداء الفلسطينيين، والتحضير لشنّ المزيد من العدوان القائم، بل وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين الإسرائيليين أنفسهم، ولا سيما بين قادة الجيش والأمن والحكومة من جهة، والمستوطنين من جهة أخرى الذين يزعمون أن مثل هذا الواقع من الهجمات اليومية، وانعدام الأمن لم يكن موجودًا في الأراضي الفلسطينية منذ سنوات عديدة.
اللافت أن هذا الواقع الأمني المتدهور في الضفة الغربية يحدث في ظل حكومة اليمين المتطرف، الأمر الذي أسفر عن انقسام رأسي وعمودي بين الحكومة والجيش وبين المستوطنين وقادتهم، وبين اليسار واليمين، بل إن الانقسام وجد طريقه بين رؤساء المجالس الاستيطانية والحكومة التي سعوا لتشكيلها منذ سنوات طويلة، ولسان حالهم يقول، إننا "نريد حكومة يمينية تعمل على تغيير مفهوم الأمن"، والدعوة إلى بدء عدوان واسع في الضفة الغربية، أو على حد تعبيرهم "عملية عسكرية شاملة على غرار "منزل وحديقة" في جنين".
في الوقت ذاته، فإن قادة المستوطنين يظهرون تمزّقًا بين سلسلة من المفارقات التي أسفرت عنها سلسلة العمليات الفدائية المتصاعدة، الأمر الذي أسفر عن رعب يومي وانعدام للأمن يمنعهم من مغادرة مستوطناتهم المنتشرة في الضفة الغربية.
اقرأ أيضًا: تطور المقاومة في الضفة الغربية
اقرأ أيضًا: التحذير من سياسة الاحتلال في الهروب للأمام
في المقابل، فإن المستوطنين وهم يطالبون بالمزيد من إجراءات الحكومة لمواجهة فشلها الأمني الميداني، يسعون لبناء المزيد من المستوطنات الجديدة، وتوسيع المستوطنات القائمة، وشرعنَة البؤر الاستيطانية، بالرغم من أنه من الناحية العملية تشهد الضفة الغربية بالفعل طفرة في البناء الاستيطاني ربما لم يسبق لها مثيل من قبل، وتمت الموافقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية بجانب بنية تحتية واسعة النطاق من الطرق والمباني.
ليس سرًّا أن الوزير بوزارة الحرب بيتسلئيل سموتريش يستغلّ من جهته التطورات الميدانية الحاصلة في الضفة الغربية للتخطيط لضخّ قرابة مليار شيكل في البناء الإسرائيلي في المنطقة "سي"، الأمر الذي من شأنه تعقيد العلاقة مع الأميركيين، وسيكون من مهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت التكفّل بحلّ هذا التوتر المتصاعد مع واشنطن.
أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فلم يتردد بإطلاق تصريحات عنصرية تنضح بالفظاظة والفجاجة، حين زعم أن "حقه، المزعوم، بالتنقل في طرق الضفة الغربية يفوق حق الفلسطينيين"، الأمر الذي ترتب عليه سلسلة ردود فعل دولية غاضبة.
أخيرًا، فإن ما تعلنه أوساط الحكومة اليمينية من مواقف متطرفة قد تفسح المجال أمام الإرهابيين من "فتيان التلال" لتنفيذ المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين تحت رعاية وحماية جيش الاحتلال، في محاولة لتنفيس عجزه وفشله أمام المقاومة المتصاعدة.