هل التوافق الوطني سيطيح بما كان يوصف مرارًا بأنه "عقبات كبرى" أمام تطبيق المصالحة الفلسطينية؟ إنه سؤال مطروح على وقع تباينات لطالما طغت رغم الاتفاقات المتتابعة، على وجهات نظر الفصائل إزاء إدارة الشأن الداخلي بما فيه النظام السياسي، فضلا عن طرق مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إذ يتبنى عدد منها المقاومة المسلحة، وترى أخرى أن المفاوضات هي الخيار.
ومن المرتقب أن تجتمع حركتا "فتح" و"حماس" الأسبوع المقبل في القاهرة، لاستكمال الحوار حول تطبيق اتفاق القاهرة 2011م.
وخلال لقاء تلفزيوني الثلاثاء الماضي، قال الرئيس محمود عباس: "هناك دولة واحدة بقانون واحد بسلاح واحد"، مضيفا: "كل شيء يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، وأكون واضحا أكثر لن أقبل أو أستنسخ تجربة حزب الله في لبنان"؛ على حد تعبيره.
بينما قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في لقاء متلفز، أول من أمس: "سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية هذا بالتأكيد سلاح واحد، وهناك سلاح المقاومة طالما أن هناك احتلالا صهيونيا على الأرض الفلسطينية فمن حق شعبنا أن يمتلك سلاحه وأن يقاوم هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة".
ويشير الخبير في شؤون الأمن القومي د. إبراهيم حبيب، إلى "وجهتي نظر مختلفتين"، قائلا إن عباس "يتحدث عن نزع سلاح المقاومة والإبقاء فقط على سلاح السلطة الفلسطينية المتمثل بالأجهزة الأمنية والالتزام بكافة الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير ونبذ (ما يسمى) العنف ووفق الرؤية السياسية التي يتبناها هو، وهو أمر لا يمكن لحماس أن تقبله أو أن تتماشى معه".
ويضيف حبيب لصحيفة "فلسطين": "لكن يبدو أن هناك توافقات وتطمينات مصرية"، منوها إلى تصريحات متداولة إعلامية منسوبة لرئيس المخابرات المصرية الوزير خالد فوزي، بأن موضوع سلاح المقاومة "ليس في الوارد بحثه في هذه الآونة"، وهذا يعني من منظور حبيب أن "هناك ضغطا مصريا تجاه إنجاز الملفات الأساسية العالقة لتحسين وضعية المصالحة، ومن ثم يصار إلى هذا الموضوع في وقت لاحق، ربما بعد سنة على الأقل"؛ كما قال.
شروط الرباعية
ولا يخفى أن السلطة الفلسطينية المنشأة بموجب اتفاق أوسلو سنة 1993م، تقر بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وهي الاعتراف بـ(إسرائيل)، ونبذ ما تسميه "العنف"، والقبول بالاتفاقيات والالتزامات السابقة بين الطرفين وأيضًا بمفاوضات التسوية، وهي ذات الشروط التي أكد أول من أمس، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، أن على أي حكومة فلسطينية الالتزام بها "بشكل صريح لا لبس فيه".
لكن وثيقة الوفاق الوطني الموقعة في يونيو/حزيران 2006، تنص على "حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك بخيار مقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل وتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967 إلي جانب العمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي والاستمرار في المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال بمختلف أشكاله".
وتمثل منظمة التحرير والبرنامج السياسي للحكومة ملفا ساخنا من ملفات المصالحة التي كانت متعثرة على مدار نحو 11 سنة، إذ يتمسك عباس ببرنامجه كبرنامج للحكومة، كما يشترط التزام فصائل منظمة التحرير بالسياسة الحالية للأخيرة. وقال عباس خلال اللقاء المتلفز: "عندما يريدون الانضمام لمنظمة التحرير يجب أن يتواءموا ويلتزموا بسياسة المنظمة".
بينما ينص إعلان الشاطئ الموقع بين حماس ووفد منظمة التحرير في أبريل/نيسان 2014م، على عقد لجنة تفعيل المنظمة في غضون خمسة أسابيع من توقيع الإعلان، لكن عباس لم يدع حتى اللحظة إلى اجتماع هذه اللجنة.
ورغم أن اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني، شددت في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، على ضرورة عقد المجلس "بحيث يضم كافة الفصائل الفلسطينية"، وفقًا لإعلان القاهرة (2005) واتفاق المصالحة (4 أيار/ مايو 2011)، من خلال الانتخاب أو التوافق؛ فإن عباس قال في حوار مع صحيفة "القدس العربي" في أبريل/نيسان الماضي، إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سائرة "في عقد المجلس الوطني وفق تركيبته القديمة".
وفضلا عن ذلك لطالما قال عباس إن الحكومة برئاسة رامي الحمد الله التي تشكلت بموجب هذا الإعلان، تلتزم برنامجه السياسي، بخلاف التوافق.
ويقول المحلل السياسي هاني المصري، إن هناك فصائل موجودة في منظمة التحرير لا توافق على شروط اللجنة الرباعية، مبينا أن هذه الشروط "عقبة كبيرة" في وجه المصالحة، معربا عن أمله بأن يتم تجاوزها.
ويرى المصري في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، أن شروط "الرباعية" ظالمة، و(إسرائيل) لا تلتزم حتى باتفاق أوسلو على سوء هذا الاتفاق، متسائلا: "فكيف نرهن أنفسنا بشروط ساهمت بوصولنا للوضع السيء والتغطية على ما تقوم به (إسرائيل)؟".
ويتابع: "نحن بحاجة إلى حوار وطني لبلورة برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة ويساعد الفلسطينيين على العمل والانطلاق، دون إعادة إنتاج برامج وصلت للفشل ودون تمسك أي طرف بوجهة نظره. نحن بحاجة إلى وحدة وطنية في إطارها تكون هناك تعددية ومنافسة، وليس إلى تعددية في القيادة والسلطة والقرار، لأن هذا أكبر وصفة لضياع كل شيء".
وعما إذا كان من السهل الوصول إلى هذه القواسم المشتركة، يجيب: "ليس سهلا أبدا، لكن لا بديل عن أن نحاول الوصول لحل"، مبينا أنه لو كان ذلك سهلا لما استمر الانقسام طوال السنوات الماضية.
ويلفت المحلل السياسي إلى أن عباس قال في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن موضوع الاعتراف بـ(إسرائيل) موضع تساؤل، وهدد باللجوء لبدائل أخرى.
ويرى المصري أن "هذه مناسبة لنضع هذه التهديدات موضع التطبيق والبحث المسؤول"، متسائلا: "كيف يمكن أن نستمر في وضع أوصلنا للكارثة التي نعيش فيها نحن بحاجة إلى الخروج منها".
ويشير إلى ضرورة العمل على الوصول للتوافق، وتوفر ضغوط شعبية وسياسية، قائلا: "لن تتحقق المسائل (المصالحة) دون تحرك شعبي ضاغط".
هل ستتوفر الظروف الملائمة لذلك؟ يجيب: "يجب أن نعمل على ذلك، هناك أمل إذا لم يكن بسرعة فعلى مدى متوسط أو بعيد المدى. لا بديل عن العمل بشكل موحد".
وبين المصري أنه "لا بديل عن الجمع بين عدة أشكال عمل (في مواجهة الاحتلال) وتجميع كل الطاقات والقوى الفلسطينية وتحقيق الأهداف الوطنية".
المعابر والموظفون
من جهته، يعتقد حبيب بشأن معابر قطاع غزة أنه ليست هناك عقبات، لافتا إلى أن حماس "أعلنت بشكل واضح أنها ستسلم المعابر".
ويضيف أن حماس معنية بالتخفيف عن المواطنين في القطاع، "لذلك أعتقد أن الأمر مرهون الآن برئيس السلطة وكذلك بالجانب المصري في إبداء حسن النوايا الصادقة التي قد تؤسس لمرحلة جديدة".
وفي قطاع غزة أيضًا، برز ملف الموظفين الذين عينتهم الحكومة السابقة برئاسة إسماعيل هنية، إذ لم تصرف حكومة التوافق رواتبهم منذ تشكيلها، ولم تدمجهم حتى اللحظة بموظفي السلطة، رغم محاولات جرت لحل هذا الملف عبر ما يعرف بالورقة السويسرية، واتفاق القاهرة 2011م.
وفي هذا الصدد، يرى المصري أن هذا الملف يمثل "عقبة، ولكن الأنباء تقول إنها قابلة للتجاوز؛ لأن حماس أبدت مرونة شديدة في هذا الأمر". ويتمم المحلل السياسي: "بالتالي يمكن أن نصل لحل أسرع"، لملف الموظفين.
وكان الحمد الله وصل القطاع الاثنين المقبل، على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، يشمل رئيس مخابرات السلطة ماجد فرج، كما وصل لاحقا وفد أمني مصري يترأسه رئيس المخابرات المصرية الوزير خالد فوزي.
وستكون الاجتماعات المرتقبة في القاهرة للفصائل الفلسطينية وحدها كفيلة بتحديد طبيعة التطورات التي سيشهدها ملف المصالحة الوطنية.