فجأة تحركت أجهزة أمن السلطة في مخيم طولكرم صباح أمس، وشرعت في إزالة السواتر والحواجز الحديدية والعبوات الناسفة التي وضعتها المقاومة في محيط المخيم لتعقيد محاولات قوات الاحتلال للتسلل إليه. وقد أثارت هذه الخطوة استياء المواطنين الذين قاوموا هذه الإجراءات، لكن عناصر أمنية ردت بإطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع تجاههم.
كان الشاب عبد القادر زقدح (21 عامًا) يتوجه إلى مكان عمله -فهو يعمل فني كهرباء- لحظة إطلاق النار والغاز المسيل للدموع على المواطنين، وقف على جانب بعيد من موقع الحدث محاولًا النجاة بنفسه، إلا أن رصاصة استقرت في رقبته فضمته إلى قائمة طويلة للضحايا برصاص السلطة.
قبل جريمة القتل هذه كان الحاج فخر العارضة (81 عامًا) وهو والد الشهيد رمزي يحاول الإصلاح لمنع اشتعال فتيل "الفتنة" هو ومجموعة من رجال الإصلاح الذين حضروا للمكان، لكنه وجد نفسه محاصرًا بين دخان الغاز المسيل للدموع ورصاصات لم تتوقف أجهزة أمن السلطة عن إطلاقها لتفريق المحتجين على إزالة السواتر، فأغمي عليه ونقل على أثر ذلك للمشفى لتلقي العلاج.
اقرأ أيضا: عائلة "زقدح" تتهم السلطة بقتل ابنها بشكل متعمّد وتطالب بمحاسبة الجناة
يتقد صوت سامر زقدح (شقيق الشهيد) بجمرات من الغضب عبر الخط الهاتفي قائلاً: "كان أخي ذاهبا إلى عمله في مجال الكهرباء لكنهم قتلوه، بالأمس اشترى ملابس جديدة"، مؤكدا أن السلطة تتحمل المسؤولية عن الجريمة.
يغلف القهر صوته في حديثه لصحيفة "فلسطين" في أثناء مراسم التشييع: "على السلطة أن توضح لنا من قتل أخي، ولماذا قتل؟ ومن أعطى الأوامر بإطلاق النار وأن تتم محاسبته".
تعيد الحادثة مشهد اعتداء عناصر أمن السلطة على المواطنين على دوار الشهداء بنابلس حينما خرجوا بمظاهرات سلمية للتنديد باعتقال المطاردين مصعب اشتية وعميد طبيلة، وقضى في إثرها المواطن فراس يعيش (53 عاما) في 22 سبتمبر/ أيلول 2022.
روايات شهود العيان
يروي الحاج العارضة ما جرى معه بصوت ينخره ألم الإصابة التي تعرض لها قائلاً: "ذهبت للإصلاح برفقة مجموعة من الوجهاء لنقول كلمة خير، واستطعنا تهدئة الأمور، وفجأة رأينا إطلاق نار فسقطت أرضًا. الجميع انبطح أرضًا خوفًا من الرصاص والموت، ولم أعِ على نفسي إلا بالمشفى من شدة الغاز المسيل للدموع. أصبت برضوض نتيجة السقوط وكسور بيدي اليسرى، وظهري ولا زلت أتألم".
عن لحظة قتل الشاب "زقدح" قال العارضة لصحيفة "فلسطين": "رأيته واقفًا عند إحدى الزوايا بعيدًا عن الاحتكاك، لم يكن بين صفوف المقاومين حتى، ماذا نقول؟ حسبنا الله ونعم الوكيل فيما جرى".
بعد قتل الشاب تأججت حالة الاحتقان بالمخيم، فأعلنت كتائب شهداء الأقصى بالمدينة "عدم صمتها على هذا الفعل الذي يدلل على مساعدة قوات الاحتلال على اغتيال المطاردين، وأنها لن تسمح لأجهزة أمن السلطة بدخول المخيم"، وسادت حالة غضب واسعة لدى المواطنين الذين أدانوا سلوك السلطة في ملاحقة المقاومين في محاولة لمنع توسع المقاومة في شمال الضفة الغربية.
يوضح الصحفي سامي الساعي من طولكرم لصحيفة "فلسطين" أن حالة من الغضب تسود المدينة ومخيمها نتيجة جريمة القتل، فأغلقت في إثرها مداخل المخيم وأشعل الشباب الغاضبون الإطارات، وألقوا الحجارة على مبنى المقاطعة الملاصق للمخيم، معبرين عن تنديدهم للجريمة.
ملاحقة متواصلة
لم تكن إزالة السواتر المحاولة الأولى من أمن السلطة، فقد تكرر الأمر في يونيو الماضي بمخيم نور شمس قرب طولكرم، كذلك اعتقلت أجهزة السلطة مطاردين في بلدة "جبع" قضاء جنين، وتستمر في ملاحقة المقاومين في نابلس وطولكرم.
اقرأ أيضا: شهداء الأقصى تحظر دخول أجهزة السلطة لمخيم طولكرم والتعامل معها بـ"الرصاص" كالاحتلال
يصف النائب بالمجلس التشريعي فتحي القرعاوي الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة بأنها "إهانة للدم الفلسطيني"، ولا يمكن اعتبار ما جرى أنه خطأ، لأنه قتل في وضح النهار، وقد جعل الساحة الفلسطينية في حالة من السخط.
ويرد القرعاوي في حديثه لصحيفة "فلسطين" على ذريعة السلطة أن إزالة السواتر كانت لأنها تعيق حركة المواطنين، مبينًا أن ظرف المخيم لا يسمح بعودة الحياة لطبيعتها، لأن السواتر تعمل على إعاقة تحرك قوات الاحتلال عند اعتقال أي مواطن، وعليه تعطيه فرصة للنجاة بنفسه من الاعتقال أو من الموت، و"هؤلاء (السلطة) يستعجلون إزالتها للسماح للاحتلال باقتحام المخيم واعتقال الناس".
وبين أن السلطة تعيش حالة من الضغط الداخلي، ولا سيما أنها مقصرة في تقديم الخدمات ودفع الرواتب وغيرها، ما يشكل ضغطًا عليها، فتتصرف بلا منهجية، وتقوم بتصرفات تؤدي إلى ردات فعل غاضبة من الشارع.
أما حكم طالب وهو عضو لجنة التنسيق الفصائلي بالمخيم، فوصف الجريمة وإطلاق النار بأنه "أمر مؤسف" كان يجب ألّا يحدث، مبينا أن الفصائل تبذل جهودا كبيرة لأجل تصويب الوضع وتجنيب المخيم نار الفتنة، بانتظار نتائج تقرير تشريح الجثمان.
وقال طالب لصحيفة "فلسطين": إن "الفصائل تحاول تحقيق تهدئة بين كل المكونات بالمخيم، لمحاسبة المسؤولين عن الجريمة من خلال الحوار وتشكيل لجنة تحقيق"، مشددًا على أن المطلب هو محاسبة المسؤولين عن الجريمة.
وقبل أقل من شهر استشهد بهاء صلاح إبراهيم كعكبان (27 عاماً) وأصيب شاب آخر في عملية تصفية مباشرة نفذتها قوة من جهاز مخابرات السلطة، في حين أعلنت أجهزة السلطة أنها ستفتح تحقيقًا فيما حدث، غير أن ذلك بقي حبرًا على ورق.
وبحسب بيان سابق للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإنه في 4 أغسطس الجاري، وصلت مركبة تحمل لوحة تسجيل إلى منطقة حرش السعادة، غرب مدينة جنين، بالقرب من مقر الأمن الوطني، قبل أن تتعرض لإطلاق نار كثيف، أدى إلى إصابة شخصين من بين ثلاثة كانوا بداخلها بعيارات نارية في أنجاء أجسادهم، هما: رمزي زهير مصطفى البول، 22 عاماً، وبهاء صلاح إبراهيم كعكبان، 27 عاماً، وأعلن عن وفاة الأخير بعد وصوله المستشفى.