يعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان ظروفا صعبة لم يعهدوها منذ سنوات طويلة، إثر الاشتباكات المسلحة الأخيرة التي أدت إلى قضاء 14 شخصًا وإصابة أكثر من 60 آخرين.
وأجبرت الاشتباكات المسلحة بين عناصر من حركة فتح ومجموعات مسلحة الآلاف من اللاجئين في المخيم على الفرار، وتسببت بوقوع أضرار جسيمة في عدد من المنشآت داخل المخيم بينها مدرستان تابعتان لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وكانت أحداث المخيم بدأت يوم 29 يوليو/ تموز الماضي وامتدت حتى 3 أغسطس/ آب الحالي بعد تثبيت هيئة العمل الفلسطيني المشترك اتفاق وقف إطلاق النار.
ووفق معطيات توثقها مراجع تاريخية فإن مخيم عين الحلوة يبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة 67 كيلو متر.
وبحسب المعطيات نفسها، فإن مساحة المخيم تبلغ قرابة 2.9 كيلومتر مربع، وهو أكبر المخيمات في لبنان من حيث السكان والمساحة، فيما يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه نحو 47.500 ألف لاجئ وفق إحصائيات وكالة الغوث لعام 2019 التي كانت قد بدأت عملها وتقديم خدماتها في المخيم عام 1952.
وتشير "موسوعة المخيمات الفلسطينية" إلى أن معظم الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، ينحدرون من 13 قرية فلسطينية هجرت إثر جرائم "العصابات الصهيونية" إبَّان نكبة 1948، وتقع قضاء كل من عكا والجليل والحولة.
اقرأ أيضًا: اللاجئون بمخيم "عين الحلوة" .. اشتباكات مسلحة تضاعف معاناتهم "المأساوية"
ويؤكد نشطاء أن مخيم عين الحلوة يعاني مثل بقية مخيمات اللاجئين في لبنان، من بنية تحتية متردية، وافتقاده للمواصفات الصحية والبيئية المناسبة، وافتقاده أيضًا للساحات العامة وأماكن الترفيه وممارسة الهوايات.
ويوضح النشطاء أن فرص التعليم والانضمام للجامعات تتراجع في المخيم فيما ترتفع معدلات الفقر والبطالة والأمية.
كما يشكو المخيم من تردي البنية التحتية والخدمات، إذ إن قنوات ومجارير الصرف الصحي ومياه الأمطار مكشوفة على امتداد المخيم خاصة أنها قريبة من تمديدات مياه الشرب التي يحصل عليها الأهالي من الشبكة القديمة والمهترئة أيضًا.
أحداث مؤسفة
من ناحيته، أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية فتحي كليب، أن الأحداث المأساوية التي شهدها عين الحلوة مؤخرًا أسهمت في تفاقم الأمور الاقتصادية والاجتماعية لأهالي المخيم، وزاد من تحدياتهم على غرار سائر اللاجئين الفلسطينيين في بقية مخيمات لبنان.
وأشار كليب في تصريح لـ"فلسطين"، إلى أن الاشتباكات بين عناصر من فتح وجماعات مسلحة ألحقت خرابًا ودمارًا بعددٍ من المنشآت والأحياء، مبينًا أن ما يزيد على 400 لحقت بها أضرار كبيرة.
كما أشار إلى أن عددًا من عائلات مخيم عين الحلوة لا تستطيع العودة إليه في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة حدة بفعل الكثافة السكانية العالية وارتفاع درجات الحرارة هذه الأيام.
اقرأ أيضًا: طه لـ"فلسطين": اشتباكات "عين الحلوة" تضر بقضية اللاجئين وتهدد استقرار المخيمات
وذكر أن أوضاع المخيم تطرح تحديات اقتصادية واجتماعية جديدة أمام المرجعيات الفلسطينية، ومنها دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، ووكالة غوث اللاجئين والفصائل الوطنية والإسلامية والمؤسسات الاجتماعية واللجان الشعبية.
وأضاف، أن هذه الأطر جميعها مطالبة بصياغة إستراتيجية تسهم في عودة الحياة إلى طبيعتها في مخيم عين الحلوة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإعادة العائلات التي نزحت عن منازلها.
بدوره، أكد الناشط السياسي والباحث في شؤون اللاجئين محمد أبو ليلى، أن مخيم عين الحلوة كغيره من المخيمات الفلسطينية يعاني سوء خدمات، لا سيما المقدمة من وكالة غوث اللاجئين إثر تراجعها في السنوات العشر الأخيرة.
وبيّن أبو ليلى لـ"فلسطين"، أن عين الحلوة واحد من أكثر مخيمات اللجوء في لبنان كثافة سكانية إن لم يكن واحدًا من أكثر مناطق العالم كثافة، وما ينتج عن ذلك من مشكلات صحية في ظل منطقة مليئة بالأزقة الضيقة وشبكات البنى التحتية المهترئة.
وطالب وكالة الغوث بتقديم خدماتها على أكمل وجه وتلبية احتياجات اللاجئين بشكل أفضل.
وأشار إلى أن الجميع يقر بصعوبة الأوضاع الاقتصادية في مخيم عين الحلوة، مشيرًا إلى معطيات حول نسبة الفقر تتجاوز 93 بالمئة بين اللاجئين في المخيم، وهذا أمر لم يحدث في أي منطقة في العالم حتى في أكثر مناطق العالم فقرًا في الصحراء الإفريقية أو غيرها.
وشدد أبو ليلى على ضرورة تهيئة الأوضاع في عين الحلوة أمام عودة اللاجئين الذين نزحوا منه، مردفا: حتى اللحظة لا نستطيع القول إن كل اللاجئين الفلسطينيين عادوا إلى بيوتهم، بسبب الدمار الكبير في الأحياء التي يقطنونها والخشية من عودة الاشتباكات.