فلسطين أون لاين

تقرير تدخل الآخرين في طريقة تربيتك لأطفالك.. كيف تتعاملين معه؟

...
تدخل الآخرين في طريقة تربيتك لأطفالك.. كيف تتعاملين معه؟
غزة/ مريم الشوبكي:

يعيش ماهر في صراع نفسي في كيفية إعادة تشكيل شخصية أطفاله الثلاثة، الذين سيطر والداه على حصة كبيرة من تربيتهم، إذ يقضون أوقاتاً طويلة بصحبتهم منذ أبصر الطفل الأول الحياة.

خاض ماهر العديد من الصراعات مع والديه للكف عن الدلال الزائد لأبنائه، خاصة ابنه البكر "يوسف" بعد أن غدا عصبيًّا، أنانيًّا، لا يطيع أبويه، ويحتمي بجديه اللذين يهرعان إلى لوم ابنهما ونهره عن توبيخ ابنه عند صدور سلوك خاطئ منه.

يقول ماهر لـ"فلسطين": "منذ عام استطعت العيش في بيت مستقل بعيدًا جغرافيًّا عن بيت والديَّ، وتعدى ابني العمر الذي يمكنني فيه تعديل سلوكه بسهولة، وهي الست سنوات الأولى، فهو الآن في السنة التاسعة وأجد صعوبة بالغة في تعديل سلوكه، وزرع سلوكيات إيجابية جديدة، ولم يجدِ الضرب، ولا التوبيخ، ولا التعزيز المادي معه، بعكس أختيه".

ويتابع: "لذا اتجهت إلى مصاحبته، وأصبحت أتخذه كصديق حتى يقتدي بي، وبسلوكي دون أن يشعر بأني أفرض عليه ما أريد، ولكي أكسب ثقته حتى يأخذ كلامي على محمل الجد، وأن ما أقوله هو في صالحه، وليس عقابًا له".

شخصية أسرية مستقلة

أما رانيا ماضي فكان لها رأي آخر منذ البداية، إذ ترفض رفضًا قاطعًا تدخل أي شخص في طريقة تربيتها لأطفالها، ولا سيما أن تتبع طريق التربية الحديثة في إلغاء الضرب والصراخ والتوبيخ من قاموسها التربوي، وهذا يجعلها في مواجهة دائمة سواء مع جديهما من طرف الأم والأب معاً، وأيضًا مع محيطها الاجتماعي القريب والبعيد.

تقول ماضي وهي أم عاملة، ولديها ثلاثة أبناء: "هذا الأمر جعلني في مواجهة دائمة مع الناس، وأحيانًا ينتقدونني أمام أطفالي، ويتهموني بأنني أعطيهم دلالًا زائدًا سيفسدهم عند الكبر، وستكون نتائجه سلبية للغاية، وأنني لن أستطيع السيطرة عليهم، ولن يكون لدي سلطة عليهم".

وتتابع: "الضرب، والصراخ لا ينتج إلا شخصية مهزوزة، تنقاد بسهولة، وهذا ما لا أفضله إطلاقًا، لذا مقتنعة تمامًا أنني الوحيدة القادرة على تربية أبنائي كما أريد، وأقرأ باستمرار عن أصول، وطرق التربية، ولا أتوانى عن سؤال الاختصاصيين".

خصوصية التربية

الاختصاصي النفسي الاجتماعي زهير ملاخة، يبين أن العملية التربوية هي سلوك قيمي اجتماعي تربوي خاص بالوالدين والمربين في الأسرة تجاه أبنائهم، يكون لديهم أهداف يسعون إلى تطبيقها، وترسيخها في شخصية الأبناء ليحققوا ما يرنون إليه.

ويؤكد ملاخة لـ"فلسطين" أن نجاح الرسالة التربوية يعتمد مراعاة بعض الأمور منها: التعلم، والاستفادة من الملاحظات التربوية من أهل الاختصاص، مع المحافظة على خصوصية الأسرة في تعاملها مع أبنائها، والواقعية ومراعاة الفروق الفردية، والظروف المحيطة، والذكاء في التعامل مع المجتمع القريب.

ويشير إلى أن تدخل الآخرين في طريقة تربيتك لأطفالك يحمل وجهين إما إيجابي، أو سلبي، ويمكن تمييز هذا الأمر عبر فهم طبيعة شخصية المتدخلين إذا ما كانوا فضوليين فقط، أو يمتازون بالنضج الفكري، والتربوي.

ويبين ملاخة أن التدخل في التربية بطريقة إيجابية يكون بتقديم النصيحة القائمة على التوجيه البناء، ومراعاة الفروق الفردية، أما التدخل السلبي فيكون مدفوعًا بالفضول والإزعاج والحسد، "مغلفًا بطريقة منمقة خداعة قد تبدو نصيحة، ولكنها في الحقيقة تكون بهدف إحداث ضرر تربوي".

حدود العلاقة

ويشدد على أولياء الأمور بضرورة وضع حدود في علاقتهم مع الآخرين لتفادي التدخل في طريقة تربيتهم لأطفالهم، والتأثير على علاقتهم بهم، مع أهمية الحفاظ على الشخصية الوالدية تجاه العائلة الممتدة من الجد، والجدة، والأعمام (...) حتى يشعروا بالخصوصية، وتعويد الآخرين على ما هو مسموح، وغير مسموح في تعاملاتهم.

وينبه ملاخة على أن التعامل مع تدخلات الجدين بحذر عبر التفاهم معهما بعيدًا عن مسامع الطفل، وتبيان وجهة نظر الوالدين التربوية، وكذلك عدم توبيخ الأطفال أمامهما، بل الحديث معهم على انفراد، وتبيان الأمور الإيجابية التي يجب أن يكتسبوها من جديهما، وترك السلبيات التي تضر بهم.

وقد تكون التدخلات في تربية الأبناء من أشخاص عابرين، بحسب ملاخة، مشيراً أن التعامل مع هذه التطفل يكون في البداية بالتواصل الصامت مع المتدخل، وقطع الحديث معه بطريقة لطيفة وتبيان أن الأمر خاص بالوالدين، أما في حال تكرر الفضول، وأصبح الأمر مزعجًا يجب رفض التدخل قطعيًّا ومباشرة.

ويختم حديثه بالتشديد على أن شخصية الوالدين هي حجر الأساس الأول في السماح، وعدم السماح للآخرين في تدخل الآخرين في تربية أبنائهم، سواء من المحيط القريب، أو البعيد.