مجموعة إيكواس تستعد للتدخل العسكري في النيجر بعد تعنت العسكر الذين انقلبوا على حكم الرئيس زوما ورفضهم إعادته للسلطة بل والتهديد بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى.
إيكواس نجمع، هي مُنظمة سياسية واتحاد اقتصادي إقليمي يتكون من خمس عشرة دولة تقع في منطقة غرب إفريقيا. تُغطي هذه البُلدان مُجتمعة مساحة 5,114,162 كيلومتر مربع (1,974,589 ميل2)، في حين يُقدر عدد سكانه بأكثر من 349 مليون نسمة. أُسست المنظمة في 25 مايو 1975 بموجب اتفاقية لاغوس، ويقع مقرها في أبوجا عاصمة نيجيريا. وبالمقابل أعلنت عدة دول مؤازرتها لقادة الانقلاب في النيجر مثل تشاد وكوتديفوار، الأمر الذي يوحي بأن الحرب إذا ما اشتعلت فقد تشتعل معها القارة السمراء بأكملها، خصوصاً وأن هناك أزمات داخلية كثيرة لدى عدد من دول القارة ما زالت تداعياتها تتفاوت بين دولة وأخرى، وأكثرها سوءًا هي السودان التي تشتعل فيها الحرب منذ أشهر بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني.
الأحداث التي تمر بها القارة السمراء هي نتاج صراعات القوى العظمى التي ما زالت تتعامل مع بعض دول العالم كإرث استعماري ومناطق نفوذ لا يجوز لأي دولة أخرى أن تنازعها فيها، ويتجلى شكل هذا الصراع في عمليات تمرد أو نزاعات إقليمية أو حروب يدفع ثمنها المواطنون الأبرياء الذين فشلت حكوماتهم الوطنية في توفير أبسط متطلبات الحياة لهم خلال عقود.
اقرأ ايضًا: مَن للسودان قبل فوات الأوان؟!
اقرأ أيضًا: الاندفاعة الإسرائيلية نحو شرق إفريقيا
الصراع في أصله صراع على النفوذ بين فرنسا وما تمثله من إرث استعماري، وروسيا التي تحاول أن تفرض نفسها في القارة كأمر واقع على أجندة المجتمع الدولي، في محاولة منها لتكريس رؤيتها لعالم متعدد الأقطاب، في حين تقاوم الولايات المتحدة بشراسة هذا التوجه الذي يسعى لإزاحتها عن مقود التحكم العالمي الذي تحتكره منذ عام 1991، ذلك العام الذي تهاوى فيه الاتحاد السوفيتي.
إذن فالقارة السمراء توشك على الاشتعال، في حين أن أوروبا تشتعل فعليًّا فيها الحرب، ولكنها تنحصر حتى اللحظة في الأرض الأوكرانية حيث تشارك أوروبا كلها تقريباً في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر أحياناً ضد روسيا. وآخر تجليات هذه الحرب دعم أوكرانيا بطائرات إف 16 الأمريكية من هولندا؛ الأمر الذي سيحدث فارقًا لا شك في ميزان القوى بين روسيا وما تمثله من قوة عظمى وأوكرانيا التي ما كان لها أن تصمد حتى اللحظة لولا الدعم الغربي الهائل الذي تتلقاه تباعاً.
في آسيا ما زالت العلاقات الصينية الأمريكية متوترة رغم الحكمة الصينية الكنفشيوسية المتأنية التي لا تحبذ الحرب في حل النزاعات، وتنحو دائمًا إلى المفاوضات، إلا أن تلك الروح الصينية التقليدية في التعامل مع الأزمات الدولية قد لا تفلح في الصمود أمام التحديات الهائلة التي تفرضها الولايات المتحدة في بحر الصين وجزيرة تايوان والاحتكاك الخشن بين القوات الصينية والأمريكية في أحيان كثيرة في هذه المنطقة. أما منطقة الشرق الأوسط فهي منطقة مشتعلة بطبيعتها لم تكد تهدأ فيها حرب حتى تندلع أخرى، وما زالت الحرب مشتعلة في اليمن وليبيا وسوريا وفلسطين، وما زالت (إسرائيل) تشكل حالة توتر مستمرة منذ نشأتها بقرار لا يمت للواقع ولا المنطق ولا التاريخ بصلة، ويتعارض مع أبسط مبادئ العدالة والحق التي ينادي بها العالم الذي يصف نفسه بالمتحضر.
العالم بقاراته القديمة الثلاث التي كانت دائماً الميدان الذي تشتعل فيه الحروب، يوشك أن يدخل في حرب عالمية ثالثة، ولا شك أن هذه الحرب لو وقعت فلن تترك العالم كما كان، ولن تكون نتائجها مجرد بعض التغيرات الجيوسياسية التي فرضتها الحرب، كما حدث بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأظن أن الحرب العالمية الثالثة لو وقعت فإنها ستنهي فكرة الدولة الوطنية، وستنشئ نظاماً عالمياً جديداً كقوة حكومة واحدة مسيطرة متحكمة تمتلك من وسائل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ما يمكنها من التحكم بكل تفاصيل الحياة البشرية بكل دقائقها، بدءًا من صياغة نمط جديد لحياة الفرد في مأكله ومشربه وتعليمه وصحته وتعليمه، مروراً ببناء حضارة عمرانية قائمة على أساس الانسجام التام مع الطبيعة وتسخير طاقة الكوكب لخدمة الحياة الإنسانية، وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء البشري الذاتي من الموارد المتاحة على الكوكب والاستغلال الأمثل لهذه الموارد، ثم الانطلاق لاكتشاف الفضاء الخارجي والتعرف على مصادر جديدة للحياة خارج كوكب الأرض.
رؤيتي هذه ليست رؤية حالمة، ولكنها حقيقة لا بد لها أن تحدث بعد ما يقارب قرنًا على نهاية الحرب الكونية الثالثة وفشل الدولة الوطنية في تحقيق رسالة الإنسانية التي صيغت في الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب الحرب الكونية الثانية، أقول ذلك إذا سادت قوى الخير وتغلبت الروح الإنسانية في الحرب المتوقعة، وإلا فإن الله وحده يعلم أي مصير مظلم ينتظر البشرية.