يوماً بعد يوم، يتأكد للإسرائيليين أنه في قلب غرفة الانقلاب القانوني الجاري في دولة الاحتلال، يوجد "فيل" يوشك أن يقتحم الغرفة الزجاجية فيحطّم كل ما فيها، في إشارة لا تخطئها العين على إثبات العلاقة بين الانقلاب الداخلي بين الإسرائيليين، والفصل العنصري تجاه الفلسطينيين.
لقد كشفت الشهور الثمانية الأولى من هذا العام التي شهدت اندلاع أكبر حركة احتجاجية في الدولة على الانقلاب الحاصل عن حركة سياسية يهودية عنصرية، توشك أن تفرض حظرًا مباشرًا على الاتصالات في الحياة اليومية مع الفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين، وتوصي باتخاذ إجراءات تؤدي لأعمال عنف عرقية ذات سمات بارزة للمطالبة بالتطهير العرقي، بل وحتى أعمال قريبة من منطق الإبادة الجماعية، وصولًا إلى المطالبة بما تعرف "السيادة اليهودية" على الآخرين، باعتبارها حقيقة سياسية ملموسة ويومية.
اقرأ أيضًا: مجتمع فسيفساء في طريقه إلى التنازع
اقرأ أيضًا: يفكرون بالفرار ويندبون حظهم
مع العلم أنه لا يتم دعم هذه السياسة من خلال قوة جيش الاحتلال فحسب، بل أيضًا من خلال إنشاء نظام قانوني ورسمي، يقبل اللون العنصري الآخذ بالتزايد والتعمّق، ويملي مزيدا من الأيديولوجية العنصرية، باتجاه اتخاذ تدابير سياسية جذرية، ولعل هناك العديد من الأمثلة في التاريخ الحديث لمثل هذه العمليات التي تنتهي، ويا للمفارقة فإن أخطرها صعود النازية والفاشية في أوروبا التي أسفرت أخيرا عن المحرقة، وكأن الاحتلال الاسرائيلي اليوم يعيد إنتاج ذات المحرقة، ولكن على الفلسطينيين هذه المرة.
ليس سرًّا أن العمليات العميقة التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي في الشهور الأخيرة لا تُبقي كثيرًا من الخيارات للتعامل معها، خاصة وأنها تذهب اتجاه ترسيخ فرضية "الدولة الدينية" المحكومة بالتوراة والتلمود كاستراتيجية سياسية، أو ما يعرف بـ"دولة الهالاخا" القائمة على التفوق العرقي اليهودي، وما يعنيه ذلك من إخضاع فلسطينيي الـ48، وإقصائهم، وهي سياسة لا ترقى فقط لمجرد إقصائهم، بل أبعد من ذلك، وصولا لما يعانيه أشقاؤهم في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس من سياسة تطهير عرقي، بكل ما تحمله الكلمة من معاني كريهة عنصرية.
لا يُخفي الحكام الإسرائيليون الجدد أنها ذاهبون لحكم الدولة وفق مؤسسات عنصرية، قائمة على مصطلحات دينية، تخوض حربًا أبدية مع كل من حولها، بمن فيهم اليهود غير المنسجمين معهم، ويهدمون الأسس الأولى للدولة التي أقامها المؤسسون الأوائل على أنقاض الأرض الفلسطينية، ويستبدلونها بأحكام جديدة تقضي بالتفوق اليهودي على المؤسسة السياسية، وتفضّله على ما سواه من معايير أثبتت أنها فاشلة كلّيًا: داخليًّا بين اليهود أنفسهم بإشعال "الحرب الأهلية"، وخارجيًّا لأن من شأنها إدخال الدولة في مزيد من "الحروب الدينية".