تثبت المقاومة الفلسطينية من جديد أنها صاحبة الكلمة الفصل في التعامل مع الساحة الميدانية.
العملية في الخليل هي نقطة ومحطة جديدة تعبر عن تجاوز المقاومة لمربع الشمال (طولكرم ونابلس وجنين وأريحا)، امتدادًا إلى رام الله وبيت لحم، والخليل فيها دلالات كبيرة واضحة ومهمة، وفيها رسائل ليست سهلة وليست كالمعتادة سابقًا، وهذا يعطينا معادلة أثبتتها المقاومة، أن ما بعد عملية الاحتلال في جنين ليس كما قبلها.
الاحتلال الإسرائيلي الآن يحاول وبكل جهد، ويبذل الكثير لمنع الوصول إلى المشهد الحالي في شمال الضفة الغربية، ويقوم بهذه التعزيزات لمحاولة أن يظهر للمستوطنين صورة مهمة لديه بأن الأمن ما زال في الجنوب تحت السيطرة.
هذا كله أفسدته عملية الخليل، وقبلها عملية حوارة، وبالتالي هناك تشتيت للعقلية والإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وكذلك زخم ملفات تراكمت لا يمكن علاجها، بالإضافة إلى تسجيل مئات الإنذارات الساخنة في أروقة الشاباك.
اقرأ أيضًا: المقاومة في الضفة مؤشرات صعود وتحديات استئصال
اقرأ أيضًا: تكتيك المقاومة بالضفة، غيّر معادلات الاشتباك.
المقاومة الآن تكسر "الأمواج" التي تنفذها قوات الاحتلال مؤخرًا، إذ إن الاحتمال بشن عمليات واسعة في الضفة الغربية على طاولة حكومة نتنياهو، وهذا يعني أن التعامل ما زال بالقوة مع المشهد، وهذا ما لم ولن يجلب الأمن المتلاشي.
وهنا سيلوح في الأفق البحث عن المخرج للحالة القائمة، ولن يكون بمزيد من القوة، لأنهم جربوها جيدًا في جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، فانهزموا واندحروا، وكذلك في غزة عام ٢٠٠٥، وبالتالي بات المخرج السياسي هو أقصر الطرق، ولكن ثمنه كبير جدًّا، ولعل أبرز أثمانه دفن ما يسمى اتفاقية أوسلو التي أساسها أمني؛ وبناء معادلة جديدة أساسها مقاومة وتحرير، وكذا من الأثمان تشويش وتعطيل مشاريع تطبيع ضخمة واستيطانية، وبالتالي أمامهم طريقان، إما مزيدًا من العنف وهذا فشل مسبق سيسجل عليه، وإما إجابة فعلية لسؤال "إلى أين؟"، والإجابة تجلب حق الفلسطيني الذي تنكر له العالم.
طرق الأبواب والشبابيك والأسقف حتى… تسارع في ردود المقاومة.
لم يعد باستطاعة المستوى الأمني إقناع المستوطنين بأنه يسيطر على الأوضاع، وهذا يعني أن الردع والأمن في تدهور كبير.
تحصين للجبهة الداخلية والمعنوية وتوسيع جغرافي، وهذا يعني أن قرار المقاومة بمطاردة المستوطنين سارٍ، تكتيك واستنزاف وتوقيت ومفاجأة.
في الاعتقاد ما يجري سيدفع (إسرائيل) للحديث بلغة السياسة بعد معاناتها الأمنية اليومية، هنا التحول الذي سيغير المشهد، وغير ذلك ستكون الساحة أكثر توترًا والأمن والردع في انحدار.
وفي المحصلة لا يمكن للاحتلال الاستمرار في التعامل بالقوة مع الشعب الفلسطيني، لما في ذلك من تداعيات محلية على الصعيد الداخلي الإسرائيلي والاختلافات القائمة، وكذا على صعيد ردة الفعل الفلسطينية التي مؤخرًا أثبتت الضفة الغربية أن الردع والرد على مجازر الاحتلال سريع ومؤلم وعابر لجغرافيا المحافظات، وصولًا إلى (تل أبيب).
الأهم أيضًا على الصعيد الإستراتيجي أن أمام الاحتلال خياران لا يوجد فيهما خير له؛ فالأول تكرار العقوبات الجماعية وإغلاق مداخل المدن بالسواتر الترابية، تطبيقًا لما قاله "بن غفير" بأن حياة المستوطن أهم من تنقل الفلسطينيين، وهذا يعني انهيار السلطة وأجهزتها الأمنية، وقوة لصالح الفصائل، والخيار الأمني الثاني هو التحمل المؤقت لهكذا عمليات، وترويض الحالة الإسرائيلية عليها، وهذا لن يستمر نظرًا لشراسة المقاومة الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى انعدام الأمن يعني الرحيل للمستوطنين وفشل الاستيطان برمته، لذلك البقاء في مربع الأمن والقوة استنزاف ليس مريحًا للاحتلال.
البحث عن البديل حتمًا سيكون المسار السياسي بخريطة ورؤية وآلية تختلف عن مقاسات أوسلو التي برمجت بعضًا من ثورة الثوار، وجعلتهم جنودًا في مواجهة ثورة الشعب بزعم محاربة "الإرهاب"، وشرعنة فعالهم في إطار شركاء "السلام"، وجسّرتهم على قتل شعبهم، وأعطتهم لقب "سلام الشجعان".