نجحت المقاومة في الضفة بممارسة تكتيك الاستنزاف المتدرج لجيش الاحتلال، بعد أن غيرت قواعد وأساليب الاشتباك في المحافظات الشمالية بالضفة، التي أكدت فيها المقاومة امتلاكها القدرة على التعامل مع معظم الظروف والمتغيرات وفق الحاجة التي تتطلبها المرحلة في ظل العدوان الصهيوني الموسع في جنين ونابلس وطولكرم.
اعتمدت المقاومة العديد من الإستراتيجيات لمواجهة التكتيك الصهيوني الذي يواصل العمل ضمن إستراتيجية جز العشب، واستهداف البنية التحتية لأذرع المقاومة، والخلايا التي تعمل في حقل الإعداد لمرحلة ما بعد التثوير، التي تسبق مرحلة الصراع الشامل والمقاومة الشاملة في كل الساحات، التي يستشعر الاحتلال أنها باتت أقرب من ذي قبل، وأنها لن تكون إلا وبالًا على كيانه المزعوم، وحكومته المتطرفة التي تسببت في إشعال ساحة الضفة بعد أن انتهجت الإمعان في القتل، وتوسيع الاستيطان، والبدء في تنفيذ خطط تهويد الأقصى، والتضييق على الأسرى، وإذلال الفلسطينيين على الحواجز والمعابر، ومصادرة الممتلكات وسلب الأراضي، وسرقة الأموال، وكل أشكال العربدة والإرهاب.
طوّرت المقاومة وفي مدة قياسية وجيزة وسائلها وأدواتها القتالية، فانتقلت من بدايات المرحلة الأولى المباركة، ومن الحجر والمقلاع، إلى قلع عين العدو وسحق آلياته، وتفتيت أشلائه، ونسف إرادته، إذ حققت مبدأ إحباط الجيش في عدة عمليات حاول عبرها العدو اقتناص أي فرصة، إذ لا يدرك أن المقاومة باتت حريصةً على تفويت كل فرصة، حاضرة أو ضائعة، لمباغتته وإجهاض محاولاته، وحقن الأزقة والطرقات بالمقاومين، وانتشار وحدات القنص التي أطاحت برأس الأفعى الصهيوني، ما أدى لفشل الاحتلال في الوصول إلى عمق المخيمات في جنين ونور شمس.
هذه الأحداث وبالتأكيد هي اللبنة الرئيسة لبناء وتشييد صرح المقاومة على الوجه الأمثل في الضفة، كما كانت تلك البدايات في غزة منذ أن اشتعلت انتفاضة الأقصى، فقد باتت حكومة نتنياهو تستحضر هذه المشاهد، وتجري مقارنات نسبية بين أدوات التكتيك، وقواعد الوصول التي فجرت بركانًا بصواريخ المقاومة وأسلحتها النوعية التي رسمت خارطة جديدة للوطن، ووضعت خطوطها الحمراء التي لم يجرؤ الاحتلال على تجاوزها؛ ففي وقت قريب أجرت المنظومة الأمنية الصهيونية تقييمًا للأوضاع في الضفة، وكانت النتائج مخيبة لآمال نتنياهو وجيشه بعد أن أكدت المعطيات أن المقاومة باتت قادرة وبنسبة كبيرة على إحباط أي اعتداء للجيش، وأن التغيرات التي طرأت تتمثل في امتلاك المقاومة لمخزون من العبوات الناسفة، وارتفاع كفاءة القتال لعناصرها، وسرعة الانتشار في محاصرة وحدات الجيش والإطباق عليها، وهو ما حدث بالفعل في جنين، حين وقعت قوة صهيونية في كمين العبوات ما أفقد الجيش مبدأ حسم المعركة.
هذه المعطيات باتت تؤرق الاحتلال، ولا سيما في ظل حالة التأييد الشعبي الذي يدعم خيار المقاومة، ويقف على مسافة قريبة من خيارتها وتوجهاتها في سبيل إنعاش مشروع المقاومة الشاملة، والعودة لاحتضان البندقية في محافظات الضفة، بما فيها المحافظات الجنوبية، والتي من الأهمية بمكان أن تصل لها الدماء الثائرة، لتُحيي فيها الأمل من جديد، والعمل من خلال رؤية وطنية، لكونها الأسرع والأيسر في كبح جماح العدو، وحماية أبناء شعبنا.