كان يوم أمس الحادي والعشرين من شهر أغسطس الذكرى الرابعة والخمسين لإحراق الجزء القبلي من المسجد الأقصى، وبه منبر المظفر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، خمسة عقود ونصف مرت على الإحراق المتعمد، المسلمون لا ينسون ذلك المشهد المؤلم، حيث تحترق قبلتهم الأولى وهي رازحة تحت احتلال استيطاني سنويًا، العدو يعمل على تغيير كل من له علاقة بالإسلام أو يذكر بالإسلام، وقادة العالم العربي والإسلامي عاجزون عن فعل شيء ذي مغزى لحماية قبلتهم الأولى.
كان الحريق مؤلمًا، ولكن حالة العجز كانت أكثر إيلامًا، انتهى الحريق، وتمّ الترميم، ولكن حالة العجز ما تزال باقية وتتفاقم. المستوطن الإسرائيلي يقود عملًا تراكميًا مخططًا لاقتسام المسجد وساحاته مع المسلمين، بل ويعمل لهدم المسجد الأقصى، ويمنع الأوقاف الإسلامية من ترميمه، للهدف نفسه، ولا يقدم قادة العرب والإسلام حلًا.
نعم، عبّر الشعب الفلسطيني عن نفسه وغضبه في يوم الذكرى، وشاركت غزة الضفة في هذا التعبير، فخرج المتظاهرون للحدود الشرقية لغزة ورجموا الغزاة الذين أطلقوا عليهم النار وأصابوا عددًا منهم، الضفة الغربية دافعت عن المسجد الأقصى بموجة متجددة من الأعمال الفردية الانتقامية، كان آخرها ضد المستوطنين في حوارة جنوب نابلس، ثم في الخليل، وما تزال موجة الدفاع عن القدس والأقصى تتجدد، فالألم حافز قوي على الفعل.
اقرأ أيضًا: ٥٣ عامًا على جريمة إحراق الأقصى.. كيف رد العرب؟
لست أدري لماذا لم تشارك دول العرب والإسلام في هذه الذكرى، والأقصى قبلتهم الأولى، وهو لهم جميعًا، وليس للفلسطينيين فقط، ما كان للأمة يجب أن تدافع عنه الأمة، وما كان للقطر يدافع عنه أهل القطر، ولكن ما يؤسف هو غياب الأمة في هذا اليوم وغياب القطر أيضًا، وغياب منظمة التعاون الإسلامي، حيث غفلت هي والجامعة العربية عن هذه الذكرى.
إن غياب الأمة، وغياب الأقطار، وغياب المنظمات الإسلامية، يشجع المستوطنين اليهود على تكرار الحريق، وعلى تدنيس الأقصى، وعلى التقسيم والهدم أيضًا، ما أود قوله إن الأقصى يقف وحيدًا في مواجهة عدو شرس يتربص به المكائد، وإذا لم تسجل الأمة حضورًا فاعلًا إلى جانب الحضور الفلسطيني، فإن كارثة التقسيم واقعة، وربما الهدم أيضًا.