فلسطين أون لاين

عملية حوارة وكلمة الفصل

جاءت عملية حوارة البطولية السبت الماضي، التي أسفرت عن مقتل مستوطنَين، لتعكس نبض الشارع الفلسطيني وتوجهاته الحقيقية، بالثأر لدماء الشهداء التي تراق يوميًا في الضفة المحتلة على يد قوات الاحتلال والمستوطنين، والملاحظ أن عملية حوارة تزامنت مع الكثير من الأحداث الأليمة، فقد عقبت بيوم واحد استشهاد المشتبك محمد أبو عصب، الذي أصيب في أثناء تصديه لاقتحام قوات الاحتلال مخيم بلاطة بنابلس، والاعتقالات، والمداهمات، والاعتداء على الأسرى، واقتحامِ المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، والمشاريع الاستيطانية المتواصلة، وتهويد البيوت والممتلكات الفلسطينية في الضفة والقدس المحتلتين، وغيرها من الاعتداءات والاستفزازات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني.

تعد عملية حوارة من العمليات النوعية، إذ أصابت الاحتلال في المقتل، بالرغم من  كل الإمكانيات والتجهيزات العسكرية والتدابير الأمنية التي يتبعها في الضفة المحتلة وبالذات في مدينة نابلس وحوارة على وجه التحديد، التي انطلقت منها الهجمات الفدائية منذ شباط/فبراير 2022، ومن جديد ضربت المقاومة الفلسطينية في بلدة حوارة، لتفتح الباب على مصرعيه أمام استمرار العمليات الفدائية، لتعرب عن فشل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ونظيرتها الإسرائيلية التي فوجئت بجرأة المنفذ التي لم تتوقعها خصوصًا أن قوات الاحتلال وقوات أمن السلطة تنتشر انتشارًا واسعًا في الأماكن التي حدثت فيها عمليات فدائية أو بالأحرى كثفت من وجودها الأمني والعسكري في المدن الرئيسة على رأسها نابلس، وجنين، وطولكرم، وأريحا، والخليل، ورام الله، بهدف لجم المقاومة وعدم تكرار العمليات الفدائية ضد المستوطنين.

اقرأ أيضًا: عملية حوارة

اقرأ أيضًا: عملية حوارة رسائل لا تنقطع

لكن علّمتنا العمليات الفدائية السابقة أن كلمة الفصل في هذا السجال تبقى دائمًا وأبدًا للفدائي المنفذ للعملية في اختيار الزمان والمكان ودقة التنفيذ، والوصول للهدف جيدًا بالرغم من التعقيدات الأمنية والعوائق، والواضح أن المنفذ سار على درب الشهيد عبد الفتاح خروشة منفذ عملية حوارة الأولى في مارس الماضي بقتله مستوطنَين، إذ إنه لم يلقِ بالًا لكل الإجراءات الأمنية من طرفي التعاون الأمني ومضى في طريقه إلى هدفه مترجلًا بسلاحه إلى مكان العملية بشجاعة، ورباطة جأش قوية ونفذها باحتراف، لدرجة أنه انسحب من مكان أو موقع الحدث بهدوء بعد تنفيذه للعملية وقد يكون رجع إلى قاعدته بسلام، فهذا نجاح كبير لمنفذ العملية، الذي أتقن هندستها، وفيها أيضًا إشارة واضحة على الجرأة الميدانية والتكتيك، والتخطيط والإعداد المسبق، والاستخدام الفاعل للسلاح بشكل ناجع، والدليل عدد القتلى، إضافة لجغرافية المكان المعقد وكثافة وجود المستوطنين المسلحين بالمكان وتنقلهم بين عدة مستوطنات، ووجود معسكر لجيش الاحتلال يحيط بالمكان، فضلًا عن تحويل الاحتلال الشارع الرئيس قرب المستوطنة إلى ثكنة عسكرية تجول فيه دورياته وقواته الخاصة، مما يصعب تنفيذ العمليات في المكان. 

وبعيدًا عن الجوانب الأمنية والعسكرية، التي داسها المنفذ بقدمَيه بضربه لكل الخطوط الأمامية للاحتلال ومعه التنسيق الأمني الدائر على قدم وساق بينه وبين السلطة وأخرجه عن الخدمة تمامًا بدليل نجاح العملية، ولكن أيضًا تعد عمليات حوارة ذات مغزى سياسي، إذ إنها أزالت الستار عن كل المؤتمرات المشبوهة التي تحاك ضد المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية، وفي هذه المرة جاءت عملية حوارة في وقتها رسالة رفض من شعبنا لمبدأ التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن كل الجهود العسكرية والسياسية والتباحث مع دول الإقليم، لا يمكن أن توقف المقاومة التي باتت خيار الفلسطيني -الجيل الجديد-، هذا الجيل المقاوم الذي خالف نظرية دايتون الذي عقدَ عليه الآمال بالخنوع والخضوع والاستسلام، فالشّهيد أبو عصب عمره 20 سنة من مواليد الانتفاضة الثانية، لكنه مقاوم عنيد فاجأ الاحتلال ولم يترك سلاحه حتى نفدت ذخيرته في أثناء تصديه لقوات الاحتلال.

إن نجاح عملية حوارة بهذه الدقة وفي منطقة استهدفت سابقًا الاحتلال والمستوطنين لعدة مرات وتشهد واقعًا أمنيًا صعبًا، تكشفان النجاح الكبير لمن خطط ونفّذ، فوقوع الهجوم بجانب موقع عسكري للاحتلال محاط بالكاميرات وأجهزة الإنذار، يمثّل تحديًا كبيرًا لجهاز الاستخبارات الصهيوني، ورسالة من المقاومة، مفادها أنها لديها القوة والقدرة على توجيه ضربة في أي وقت وأي مكان، وتستطيع الوصول والمساس بأكثر المناطق الصهيونية حيوية وحساسية، لما فيها من إجراءات أمنية وتعزيزات عسكرية، الأمر الذي يعني أن منفذ العملية أحكم التدبير والتنفيذ في الوقت الذي تغرق فيه الاستخبارات الصهيونية في سباتها العميق، لعدم درايتِها لما يحدث حولها، ما يدل على هشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية وعدم معرفتها أين، وكيف ومتى سيقع الهجوم التالي، وتبقى كلمة الفصل؟