فلسطين أون لاين

تقرير صفوة الحفاظ "2" .. نور القرآن يضيء غزة

...
مشهد حي من سرد القرآن ضمن مشروع صفوة الحفاظ 2
غزة/ يحيى اليعقوبي:

أشرق القرآن الكريم من صدورهم، وجرى على ألسنتهم كما تتدفق مياه النبع، تراهم كحبات اللآلئ البيضاء يكتسي المسجد بجمالهم، يتنفسون القرآن كأنه أكسجين حياة، وجزءً من الروح وقطعة من الفؤاد،  تعلقوا به وتعلق القرآن بهم فحملوه في صدورهم وجاؤوا من كل محافظات قطاع غزة إلى مسجد الإمام "الشافعي" بمدينة غزة لسرده على جلسة واحدة في مشروع صفوة الحفاظ "2" لأكثر من 1471 حافظا وحافظة، تنظمه دار القرآن الكريم والسنة بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالقطاع، وهو المشروع القرآني الأضخم على مستوى فلسطين ودول عربية وإسلامية.

اقرأ أيضاً: حماس تبارك نجاح مشروع "صفوة الحفاظ" وتشيد بدور دار القرآن الكريم

عند وصولك بوابة المسجد، يلفتك ملصقات كبيرة تحمل اسم مشروع "صفوة الحفاظ 2"، فتمر من مدخل تتدلى منه ورود بيضاء لداخل المسجد، ويقودك ممر شرفي أحمر مر عنه الحفاظ حينما وصلوا المسجد فجر أمس وبدؤوا بسرد القرآن إلى الداخل، لتجد مئات الحفاظ أمامك  يتوزعون في جلسات ثنائية بحيث يجلس مُسمّع أمام كل حافظ، لا ترى سوى ألسنة تلهجُ بآيات كتاب الله.

تسميع قرآن سرد
بالقرب من صحن المسجد تلمح مجموعة من كبار السن بلحاهم البيضاء وقسمات وجوه ناصعة، شاهدة على عطاء كبير لم يقف العمر عائقًا أمام حفظ القرآن، أحمد موسى الحاج علي (76 عامًا) كان أكبر الحافظين ومصدر إلهام لكل من زار المسجد، بدأ حفظ القرآن من القرن الماضي تحديدًا سنة 1960 حينما لم يزد عمره عن عشرين سنة، وأتم الحفظ خلال أربع سنوات وقبل عشرين عاما ثبته.

يختزن قلبه حبًا كبيرًا للقرآن، قائلاً "نقرأه أناء الليل وأطراف النهار، فأشتاق لقراءة القرآن كما يشتاق الرضيع لأمه. حياتنا وأيامنا قرآنا، جعلته جزءً من حياتي فانعكس هذا الارتباط على سلوك، فالقرآن راحة نفسي يؤثر في تعاملك مع الناس".

إضافة لحفظ القرآن نظم الحاج علي حلقات تفسير للقرآن على مدار أربع سنوات، قاطع حديثنا وفود جاءت إليه وقبلوا جبينه، ثم أكمل موجها حديثه لكل من يعتقد أن العمر فاته عن حفظ القرآن "طالما الإنسان ينبض قلبه في الحياة فيجب أن يستغلها ب الخير، ولا يتوانى أو يتكاسل عن ذلك، والقرآن يعلمنا الأخلاق والتعامل مع الناس".

العمر ليس عائقًا

بقربه، يجلس نافذ البواب (56 عامًا) وهو إمام مسجد أسيا بمنطقة النصر بمدينة غزة، أتم حفظ القرآن عام 2018 وبدأ بتعلم العلوم الشرعية بعد تجاوزه سن الأربعين عامًا، وهذا ما انعكس على حياته وإمامته للناس، يقول لنا بعدما توقف قليلاً عن تلاوة القرآن: "إمامة المسجد تحتاج إلى حفظ القرآن حتى ينوّع الإمام في قراءة الآيات والسور أثناء الصلاة".

عن سؤال "ماذا تعني له المشاركة في صفوة الحفاظ"  شقت ابتسامة طريقها بين قسمات وجهه وصوته: "رغم أنني حصلت على شهادة دبلوم وبكالوريوس، لكن شهادة سرد القرآن على جلسة واحدة أعظم شاهدة أحصل عليها" مستشهدًا بأية من كتاب الله: " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".

سرد القرآن صفوة الحفاظ
ووجه رسالة لمن يريدون الحفظ بالكبر قائلاً: "عقل الإنسان لديه المقدرة على الحفظ بأي سن، فقط هو ينتظر تخزين المعلومات لذلك الأمر بحاجة إلى إرادة ونية وعزيمة بالطريقة التي تناسب كل إنسان".

تنوع الحافظون من جميع الفئات فترى الأطفال والشيوخ والشباب، وذوي الإعاقة ومن أصحاب المهن المختلفة، يتوزعون في حلقات داخل المسجد، الطفل عبد الله رمضان حمودة (12 عامًا) أحد أولئك الأطفال.  

في أقل من خمس ساعات استطاع الطفل حمودة تسميع تسعة عشر جزءًا من القرآن الكريم، لحظة حدينا معه حينما أشارت الساعة إلى العاشرة صباحًا، يمتزج صوته بالفخر قائلاً: "مشاركتي هي لمراجعة القرآن فأشعر بالفخر والسكينة، ولتكثير حفظة كتاب الله ولتحفيز العائلات على إرسال أبنائهم لمراكز التحفيظ".

والمسجد الذي احتضن أكبر الحفاظ الحاج علي بعمر (76 عاما)، احتضن معه أصغر الحافظين وهو الطفل أحمد رمضان شيخ عمر (8 أعوام).

فرحة غامرة

على ناحية أخرى، وصل الطفل محمد أبو عاصي (13 عامًا) إلى تسميع الجزء التاسع عشر، تغمر قلبه الفرح "فرحتي لا توصف، فسرد القرآن على جلسة واحدة أعتبره أهم شيء فعلته في حياتي كلها، ونأمل أن تستمر غزة في تخريج أفواج من الحفاظ".

على كرسي متحرك يجلس المقعد محمد الشاعر (29 عامًا) وهو واحد من 26 من ذوي الإعاقة شاركوا بالمشروع، يعتبر مشاركته نقطة مهمة كونها التجربة الأولى التي انتظرها منذ فترة طويلة تطلع خلالها لخوض التجربة، وصفها بأنها "تجربة جميلة ولن تكون الأخيرة".

تعرض الشاعر للإعاقة حينما بلغ من العمر خمسة عشر عاما بسبب المرض، يقول بعدما توقف عن تلاوة القرآن ومنحنا وقتا لسرد قصته لنا عائدًا بالذاكرة للحظة الإصابة "كان لها جانب إيجابي، صحيح أخرت الحفظ الذي اتممته بأربع سنوات، لعدم قدرتي على الالتزام بحلقات التحفيظ، لكنها جعلتني أبحث عن بدائل ومنها التعليم الإلكتروني الذي التزمت به وحفظته من خلاله".

لا يعتبر الشاعر حفظ القرآن أمرًا صعبًا، صحيح أن هناك رهبة في البداية كما يقول، لكن الأمر "يصبح سهلاً عندما يضع الإنسان وقتا يوميًا محددًا يلتزم فيه بالحفظ، يثم يركز على المراجعة، والقرآن لا يضيع الوقت ويشغله وإنما يبارك فيه، ولو بدأ الإنسان بنصف ساعة يوميا ثم يتطور، والأفل أن يبدأ من جزء "عم" للمبتدئين.

تسميع قرآن سرد
ووضع المنظمون أرقامًا لكل حافظ على نقطة بالمسجد وترك مسافة بين كل نقطة وأخرى لإعطاء مساحة لعدم التشويش، حمل الحافظ محمد بدرية (32 عامًا) رقم (608)، كان يرتدي عمامة وتزين ملامحه لحية سوداء بحجم قبضة اليد، قال بكلمات غادرت قلبه: "هذا يوم مبارك وخير لفلسطين وغزة، وأنصح نفسي والآخرين بحفظ القرآن وجعله قدوة لهم في حياتهم فسعادة الإنسان بالدنيا والآخرة هي بالقرآن". 

"الإنسان يجب  أن يراجع القرآن ويثبته باستمرار ويلتزم بمراجعته حتى لا ينساه" هذا ما قاله الحافظ أسامة طبش (16 عاما) وهو من سكان محافظة خان يونس، ويحرص بشكل يومي على تسميع ثلاثة أجزاء يومية.

في ساحة المسجد الخارجية، امتلأت بمجموعة من الحفاظ الذين قرروا سرد القرآن على جلسة واحدة في الهواء الطلق، يقول وسام أبو زور (25 عامًا) أحد هؤلاء الشباب أنه ذهب للساحة الخارجية "لتجديد النشاط والحيوية"، وقال: "مشاركتي تمثل تعاهدا للقرآن ولمراجعته، وسبقت ذلك بمراجعته مع مشايخي  على مدار الشهرين الماضيين".

ومشروع صفوة الحفاظ، يصفه مدير التحفيظ في دار القرآن الكريم والسنة خالد أبو كميل، بأنه تعهد قرآني بسرد القرآن من أوله إلى آخره مرة كل عام، في العام الماضي ضم المشروع 581 حافظا وحافظة، والعام الحالي ضم 1471 حافظا وحافظة يسردون القرآن على جلسة واحدة من صلاة الفجر حتى غروب الشمس.

وقال أبو كميل لصحيفة "فلسطين": إن "الرسالة من الشروع هي لنشر ثقافة القرآن وإظهار الوجه المشرق لقطاع غزة بأنه أصبح أنموذجا يحتذى به في تخريج حفظة كتاب الله  وتلاوته، فيظهر مدى الخير الموجود في القطاع".

ولفت إلى أن المشاركين جاؤوا من بيوت وفئات ومحافظات شتى جمعهم حب القرآن وحفظه "، مشيرا إلى أن المشروع خضع لاختبارات مسبقة بحيث تقدم 3 آلاف حافظ وحافظة، اجتاز الاختبارات العدد الذي تقدم للمشروع.

سرد القرآن صفوة الحفاظ