لم تعد خلافات المؤسستين السياسية والعسكرية لدى الاحتلال تدار خلف الكواليس، فقد خرجت تسريبات اللقاء العاصف الذي جمع نتنياهو بقادة الجيش، وصراخه عليهم، واتهامهم بـ"تسييس" الجيش، وتعبيد الطريق أمامه للسيطرة على (الدولة)، ونشر ابنه تغريدة مسيئة لقائد الأركان، وصفه بـ"الأكثر فشلًا في تاريخ الدولة".
كل هذه، وسواها، معطيات تؤكد أن الإسرائيليين أمام "كابوس" فعلي يوشك على التحقق، بموجبه يعمل أركان الائتلاف المتطرف على إلغاء آخر إجماع يلتفون حوله، ولم يُشوَّه سياسيًّا بعد، وهو الجيش وقادته والأجهزة الأمنية وضباطها، ما يعني أن تبعات الانقلاب الجارية وصلت إلى آخر لبنة في الجدار الإسرائيلي، وهو استكمال مشروع لم يعد يخفيه الائتلاف منذ فوزه، وهو أنه لم يعمل كحكومة تمثل الإسرائيليين، بل تغيير النظام السياسي، وإدامة سلطتها، وفي سبيل ذلك لا تهدر طاقتها، بل تستغل كل لحظة لإتمام مشروعها.
إن الاستهداف الجاري للجيش وقادته، والضغط عليه من المستوى السياسي يعني باختصار أن هذا القطار الذي يقوده نتنياهو لا يستعد للتوقف في أي محطة، ولا حتى أمام الجنرالات والضباط الموصوفين بأنهم "حراس البوابة" والمحكمة العليا، وما الاشتباكات الجارية معهم إلا مخاطرة غير مأمونة الجوانب يخوضها الائتلاف الحالي دون اكتراث بالمخاطر والأضرار الفعلية لأمن الدولة.
اقرأ أيضًا: أثمان إسرائيلية مترتبة على طريق الانقلاب القانوني
اقرأ أيضًا: أمن وجيش الاحتلال في عين عاصفة المستوطنين
الحديث لا يدور عن تحذير عبثي تصدره المعارضة لتخويف الحكومة، أو محاولة كبح جماحها، بل إنه تحذير جدي خشية إلحاق المزيد من الأضرار الخطيرة بالدولة واستقرارها، ومؤشر مباشر على اندلاع حرب أهلية، قد تؤدي ضمناً إلى انحدار "القطيع" نحو هاوية غير منتهية، دون ذرة من منطق، أو تفكير في العواقب، وكأننا أمام "قطيع بلا راعٍ يرعى".
اللافت أن هذه الفوضى التي تضرب أطنابها بدولة الاحتلال من شأنها تقوية الائتلاف الحاكم، ولمزيد من الدقة، تقوي بعض أركانه، ولا سيما العنصرية ذات الخصائص الفاشية، التي كانت إلى أمد قريب فقط محظورة بموجب القانون، لكنها الآن، وبموجب ذات القانون باتت تتبوأ مواقع رسمية حكومية في الدولة، وأصبحت تشكل خطرًا وتهديدًا للأمن الداخلي على الدولة، بعد أن رفعت مطالبها علانية بتشكيل مليشيا إرهابية يهودية، يتم بناؤها بديلًا عن الشرطة وحرس الحدود، وهي ليست أقل إرهابية من تلك المليشيا، وإن كانت بلباس حكومي.
لا يتورع المعارضون لانقلاب الحكومة الجاري عن وصف المروجين له بأنهم يستخدمون أساليب "بلطجية"، وهجمات جامحة ضد ضباط الجيش والأمن وجنودهما، ومحاولة توريط المؤسسة الأمنية في الاستقطاب الجاري، ما سيجرّده مع مرور الوقت من صفة "جيش الشعب"، من خلال ابتزاز كبار الضباط وإذلالهم، والغطرسة في الحديث معهم، والاستخفاف بتحذيراتهم، وصولًا لمحاولة تقويض ثقة الجمهور بهم، والنتيجة أن دوافع التجنيد آخذة في التناقص، والرغبة في الخدمة العسكرية باتت موضع شك.