قديمًا، كان الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، شرطًا لتحقيق السلام مع إسرائيل، وكانت إسرائيل تتمنى الاعتراف العربي بها كدولة، دون أن تطمع بإقامة علاقات دبلوماسية، اليوم صار وقف النشاط الاستيطان الإسرائيلي، هو الشرط العربي للتطبيع مع إسرائيل، وقد يضاف إلى هذا الشرط، الموافقة الإسرائيلية على قيادة السلطة الفلسطينية، مع تعزيز قدراتها الاقتصادية والأمنية.
لقد اكتفت الرسالة التي حملها سوليفان مستشار الرئيس الأمريكي بايدن، وزميله مسؤول البيت الأبيض إلى السعودية، بالربط الشكلي بين حل القضية الفلسطينية والتطبيع بين الطرفين، الذي يتضمن منافع جمَّة لثلاثة أطراف، دون الطرف الرابع، وهم الفلسطينيون، فذكرهم جاء ملحقًا في مشروع الوساطة الأمريكية، وهو أقرب إلى إطار زخرفي، للتغطية على ما ينكشف من عورة التطبيع.
فما هي مصالح الأطراف الثلاثة من اتفاقية التطبيع؟
أولاً: ستعزز أمريكا مكانتها في الشرق الأوسط، وتقطع الطريق على الصين، وستزيد من حجم الاستثمار المالي في السعودية، مع تأمين خطوط إمدادات النفط، وتعزيز ربط المصالح السعودية بالسياسة الأمريكية، إضافة إلى تحقيق مكاسب حزبية للديمقراطيين داخل أمريكا.
اقرأ أيضا: قراءة في تلاقي مثلث المصالح الإسرائيلية السعودية الأمريكية
ثانيًا: السعودية ستحظى بمعاهدة دفاع مشترك مع أمريكا، على طريقة حلف الناتو، بحيث تسارع أمريكا للدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم خارجي، وقد تحصل السعودية على برنامج نووي مدني الطابع، وتحت رقابة أمريكية، وقد تتمكن السعودية من شراء منظومة دفاعات متقدمة.
ثالثًا: ستحظى إسرائيل على مكاسب عظيمة، فالتطبيع مع السعودية سيفتح لها الأبواب المغلقة، لتدخل إلى أحضان العالم الإسلامي بكل ثقة واطمئنان، وستغدو إسرائيل طرفًا في الكثير من المعاهدات والاتفاقيات السياسية في المنطقة، وستُعزز علاقتها الأمنية والاقتصادية مع الكثير من الأنظمة العربية، وستكون المنتجات الإسرائيلية مكونًا رئيسيًا في الأٍسواق العربية.
رابعًا: أما القضية الفلسطينية، فجل ما قد تحصل عليه هو تجميد النشاط الاستيطاني، وتأجيل مشروع ضم الضفة الغربية، ووقف بناء المستوطنات العشوائية، مع رفد السلطة الفلسطينية بالأموال، وتقويتها، لتقوم بدورها الأمني داخل مدن ومخيمات الضفة الغربية، مع عقد المزيد من اللقاءات الأمنية على غرار مؤتمر العقبة، ومؤتمر شرم الشيخ.
فهل ستتوحد إسرائيل المنقسمة على شروط السعودية للتطبيع؟
بكل تأكيد، فإن إسرائيل في لهفة إلى التطبيع مع السعودية، والقيادة الإسرائيلية الراهنة، وبالرغم من تطرفها، وتمسكها بكامل أرض إسرائيل السياسية، إلا أنها تمتلك المرونة لتلتقط الفرصة، وتتجاوب مع الشرط الأمريكي للتطبيع مع السعودية، فالتنازلات التكتيكية لا تساوي شيئًا مقابل المكاسب الاستراتيجية، ولإسرائيل الخبرة في الالتفاف على الاتفاقيات، وممارسة القضم الهادئ والبطيء للأرض، وللسياسية الإسرائيلية في هذا المضمار تجارب عريقة، فقد سبق وأن وافقت السلطة الفلسطينية على استئناف المفاوضات لمدة عام في يوليو/تموز 2013، شرط أن يطلق سراح 104 أسرى فلسطينيين، اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، وقد وافقت إسرائيل بشرط أن يطلق سراح الأسرى على أربع دفعات، وقد أجّلت إسرائيل إطلاق سراح ذوي الأحكام العالية حتى الدفعة الرابعة والأخيرة، ومع فشل المفاوضات، لم يطلق سراح الدفعة الرابعة حتى يومنا هذا.
قد ينجح جو بايدن في تحقيق صفقة التطبيع، وقد تنجح إسرائيل بالحصول على مكانة مرموقة في الشرق الأوسط، وقد يحصل الفلسطينيون على بعض المساعدات المالية، وقد يستمر العمل بالاتفاقية والمعاهدة لفترة من الزمن، تتمكن فيها إسرائيل من الحصول على الاعتراف الرسمي من عديد الدول، وتعزز علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، ومع غيرها من البلاد الإسلامية، لتبدأ مع مرور الوقت مرحلة التنصل من الاتفاقية، واستئناف الاستيطان بوتيرة أسرع، وإحكام السيطرة على المزيد من أرض الضفة الغربية.