فلسطين أون لاين

عربة الضفة في قطار المصالحة

قراءة متأنية للمصالحة الفلسطينية المفترضة، التي تتوج بزيارة الحكومة إلى غزة اليوم، ليكون أول اجتماع لها في غزة؛ ترينا أن قطار المصالحة انطلق بحمولة عرباته جميعًا، وإحدى عرباته هي عربة الضفة الغربية.


ليس بالأمر العسير ما تريده الضفة من المصالحة، فكل ما تريده الضفة هو تحقيق المصالحة نحو برنامج وطني موحد، وطي صفحة الانقسام البغيضة، والتخلص من قضية التنسيق الأمني، والاعتقالات السياسية وتقييد الحريات، وصولًا إلى إعادة الاعتبار للعمل الخيري والاجتماعي ببث الروح في الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي كانت الساند الأكبر للكثير من العائلات الفقيرة، وعودة الموظفين المطرودين من وظائفهم على خلفية سياسية.


حتى الآن نجح يحيى السنوار بمشورة حركته في تخطي عدد لا بأس به من حقول الألغام الكثيفة، بكل سلاسة، إلى غير رجعة، وبقي عليه متابعة الطريق المليئة بالأشواك والألغام، وعينه على تحرير فلسطين وتوحيد الطاقات لأجل الهدف المنشود لا حكم غزة، فغزة قطعة عزيزة من الوطن، أجبرت الاحتلال أن يدفع ثمن احتلاله، وللمشوار بقية.


السنوار يتابع خطواته أهالي الضفة الغربية، بكل جدية وحذر، فالتطورات الحاصلة والمتسارعة في ملف المصالحة الفلسطينية تجعلهم يبدون تفاؤلًا هذه المرة عكس المرات السابقة، خاصة بعد التجاوب الكبير الذي أبدته حركة "حماس" لطي صفحة الانقسام، وكان ثمرته الترتيبات الجارية لتسلم الحكومة برئاسة رامي الحمد الله مسؤوليتها كاملة في القطاع.


حذر الضفة له ما يبرره، فالتجارب والندوب الكثيرة والجراح جراء الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني، خلال السنوات الماضية، مع إخفاق محاولات التقارب وعقد لقاءات المصالحة، فيما جرى في مكة، والقاهرة، وغيرهما من البلدان؛ كانت سببًا رئيسًا في تفاوت المشاعر بين الأمل والشك لدى الكثير من أبناء الضفة، الذين لا يزال بعضهم يعاني من استتباعات هذه المرحلة، لكن درجة الأمل فاقت الشكوك هذه المرة.


فمثلًا لا يعقل أن تكون هناك مصالحة في ظل الملاحقات والاعتقالات السياسية، فالضامن الوحيد لطلبة الجامعات للعودة إلى العمل بحرية هو زوال آثار الانقسام، وفي مقدمتها انتهاء الاعتقالات السياسية واستتباعاتها بشكل كامل، حتى يتفرغ الطلبة للعلم ومقاومة المحتل، وتعود الجامعات حاضنة للفكر المقاوم كسابق عهدها.


وارد جدًّا وجود اختلاف في وجهات النظر، وتعدد الأساليب في الخلاص من الاحتلال بين حركتي فتح وحماس، ووارد أن يكون هناك وجهات نظر متباينة بشأن المصالحة وملفاتها، وهي حالة عادية ومن طبائع الأمور وضرورية لدى أي شعب محتل، وسهل التغلب عليها بحسن النيات الطيبة، وهذا لا يستدعي الشقاق والخلاف والتفنن في تشويه سمعة الآخرين والذهاب بعيدًا في قهرهم وإذلالهم، ولنا في أحزاب وقوى الاحتلال عبرة وعظة.


على الدوام طريق الحرية وكنس الاحتلال ليست مفروشة بالورود، أي احتلال يحاول جاهدًا أن يزرع في الشعب المحتل أعوانًا له، خاصة من ذوي المصالح، فيعمل الاحتلال على ربطهم به، ما يجعلهم يقفون بكل قوة ضد أي تيار أو مصالحة أو اتفاق يهدد مصالحهم، وهؤلاء يجب تنحيتهم وجعلهم في الصفوف الخلفية.


على كل الشرفاء والعقلاء الآن أن يتحركوا وتبدأ مرحلتهم الجديدة، فمرحلة السكون وترك الساحة للآخرين دعاة الانقسام قد ولت، فإن لم يتحركوا الآن فمتى يتحركون؟!


من الآن فصاعدًا لا يصح أن يصغي أحد للكلام الفاحش والموتور والمفرق بين الإخوة أو نسمح به؛ فكل القضايا الخلافية يمكن حلها بالحوار البناء الهادف، بصدور مفتوحة، وتقبل مختلف الآراء، فالدم واحد والهدف والدين والوطن، ونسأل الله (تعالى) أن تتوحد طاقات شعبنا جميعًا نحو التناقض الرئيس.