بعد ساعات قليلة من مصادقة الكنيست على قانون إلغاء سبب المعقولية، شهدت الساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية نقاشات مكثفة بشـأن إمكانية تشكيل حكومة موسعة، سمّاها البعض "وحدة وطنية"، والبعض الآخر وصفها بأنها "حكومة طوارئ"، باعتبارها ذات أهمية سياسية وضرورة أمنية، والأهم من ذلك أنها خطوة أساسية لتهدئة العاصفة الداخلية التي أدخلت دولة الاحتلال في أخطر أزمة عرفتها.
بقليل من التفصيل، فإنه في مثل هذه الحكومة التي بدأ بعض الإسرائيليين يذكرون تفاصيل تشكيلها، وفق توقعاتهم، فإن "ياريف ليفين" لن يكون وزير القضاء، "مفجّر" الانقلاب القضائي، ولن يكون "سيمحا روثمان" رئيسًا للجنة الدستورية، أما الفاشي "إيتمار بن غفير" فلن يكون وزيرًا للأمن القومي، وكل ذلك كفيل بإسقاط مستوى الخوف السائد في معسكر الاحتجاج.
مع العلم أن حاجة الإسرائيليين لمثل هذه الحكومة ظهرت منذ بداية الأزمة، ومع مرور الوقت أصبحت ضرورية منذ اللحظة التي بدأ فيها الاحتجاج يصل إلى مستويات غير مسبوقة بإعلان الجيش عن تنامي ظاهرة "التمرد" في صفوف الاحتياط، فضلًا عن شيوع تصريحات تحضّ على كراهية الإسرائيليين لبعضهم البعض، مما ساهم بخلق وضع قد يجرّهم إلى سيناريوهات لم يعتقد أنهم سيصلون إليها.
اقرأ أيضًا: الحرب الأهلية "الإسرائيلية": الابنة الشرعية للانقلاب القضائي
اقرأ أيضًأ: الصراع السياسي الذي زلزل أركان الاحتلال
بدا لافتًا أن أهم المبادرين في الحديث عن مثل هذه الحكومة هو "يوآف غالانت" وزير الحرب، الذي سبق له أن تحدّى رئيسه بنيامين نتنياهو، في حين أن الأخير، وفق وجهات نظر إسرائيلية عديدة، هو الذي يجب أن يأخذ زمام المبادرة، ويوجه الدعوة علانية لخصومه الحاليين، يائير لابيد وبيني غانتس، ويدعوهما للانضمام لحكومته الموسعة، وفي المقابل، يتوقع الإسرائيليون أن يقبلا الدعوة، خاصة في هذه اللحظة الحاسمة، ولا سيما وأن غانتس بات يتقدم في استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة.
ليس سرّا أنه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يتأثر السياسيون عمومًا والإسرائيليون خصوصًا، بضغوط الناخبين الأكثر تطرفًا في معسكراتهم، الذين لا يحبذون هذا الخيار، لكن السياسيين يرون ما لا يراه الجمهور عامة، وهم مطالبون وفق المروجين لهذه الخطة، بأن يتعاملوا مع المخاوف العميقة التي تمرّ بها (الدولة) في هذه المرحلة، وجزء كبير منها يتعلق بالاقتصاد، وتراجعاته المتلاحقة.
تظهر التجربة الإسرائيلية أن الحكومات الموسعة يتم تكوينها عشية دخول (الدولة) في أزمات كبرى، وهو ما حصل مع حكومة الوحدة الأولى التي تعاملت مع أزمة حرب 67، وتكرر في الثمانينيات، حين واجهت تضخمًا هائلًا وانتشارًا لجنود الاحتلال في جزء كبير من الأراضي اللبنانية بعد حربها الأولى، أما حكومة اليمين الفاشي الحالية فهي توشك أن تدفع الإسرائيليين إلى شفا حرب أهلية، ويأمل العديد منهم بطيّ صفحتها، والذهاب إلى الخطة "ب".