فلسطين أون لاين

​استمدت الطاقة من اسمها

"وزيرة الإيجابية".. ضعف البصر اختلافٌ يميزها

...
غزة - هدى الدلو

كان المشوار الجامعي صعبًا للغاية بسبب نظرات من حولها، فمع كل خطوة تسيرها، يعرض شخص ما مساعدتها، لأنها في نظر الآخرين غير قادرة على إكمال طريقها بمفردها، لكنّ كبرياءها كان أقوى من كل شيء، فكانت ترفض كل اقتراحات المساعدة، لأنها ممزوجة بالشفقة من وجهة نظرها، وبالتالي فهي تسبب لها الإزعاج، أضف إلى ذلك استغراب بعض أساتذتها من التحاقها بقسم الصحافة، تلك المهنة التي تحمل قدرا عاليا من التعب، لكنها لم تكتف بالمحاضرات الجامعية، بل التحقت بدورات في التخصص ذاته، وأخرى في التنمية البشرية، لتصل إلى اللحظة المُنتظرة، وهي ارتداء "روب التخرج" بعد أربع سنوات من التحدي والإصرار، ولتنتقل بعدها لخوض التجربة في الميدان..

سارة أسامة النجار (21 عامًا) خريجة قسم الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية، وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، وقضايا المرأة، ومقدمة برامج إذاعية، كما عرفت نفسها.

لا بديل عن "بريل"

تعاني النجار من إعاقة بصرية في شبكية العين بدرجة نظر "1/6"، وتنخفض تدريجيًا، هذه المشكلة وُلدت معها، لاحظها والدها من خلال حركة رموشها غير الطبيعية، ومن ثم تأكد الأمر عبر الفحوصات الطبية عندما كانت في الثالثة من عمرها، وتبين أن للمرض أصلا وراثيا.

انطلقت إلى الحياة من مركز النور للمعاقين بصريًا، الذي التحقت به في مرحلة رياض الأطفال، وقالت النجار لـ"فلسطين": "في هذه المرحلة، وبناء على تقارير الأطباء، تبيّن أنني سأستخدم لغة (بريل)، لأني لن أتمكن من رؤية الخطوط، وسأفقد البصر كليًا، وكان في ذلك صدمة كبيرة لأهلي".

غرس والداها فيها حب التميز، وأنها يجب أن تتميز عن غيرها من الطالبات في كل عام دراسي، ثم ألحقاها بمدرسة حكومية إيمانًا منهما بأنها لا تختلف عن غيرها، ولكن الأمر لم يخل من مضايقات من زميلاتها "كالنظر إليّ من بعيد، وترديدهن بعض الكلمات التي تحمل الشفقة أحيانا مثل (يا حرام)، وكلمات ساخرة في أحيان أخرى مثل (عمية) وغيرها"، وفق قولها.

وأوضحت النجار أنها بتفوقها في العام تلو الآخر، استطاعت أن تثبت للجميع أنها مثال للتميز، وجذبت الكل لمصادقتها، ولاصقتها صفة الشخصية المحبوبة خلال مراحل الدراسة المختلفة، وفي الثانوية العامة توّجت تفوقها بحصولها على معدّل 95,3%.

الإعلام؟!

وعندما قررت دراسة الصحافة والإعلام لاقت تشجيعًا من أهلها، أما المجتمع وبعض والأكاديميين حاولوا منعها بحجة أن هذا التخصص لا يناسبها، منهم من قال: "ما رح تقدري"، أو "هذا التخصص يحتاج لحركة كثيرة وأنتِ بحكم وضعك الصحي شبه مقيدة"، ولكن حجم المعارضة رفع منسوب إصرارها وتمسكها بالتخصص، فهي حسب وصفها: "شخص يعشق التحدي، ولا أحب أن أُقاد، ولا أن أمضي بدون أن أترك بصمتي".

بداياتها في عالم الإعلام كانت في عام 2013 عندما قدمت برنامجا إذاعيا باسم "جواهر مخفية"، عبر إذاعة فرسان الإرادة، والذي كان يسلط الضوء على المبدعين من ذوي الإعاقة، وبدأت تنشر كتاباتها في مواقع محلية وعربية، بالإضافة إلى أنها شاركت في تحدي غزة للمشاريع الصغيرة ووصلت إلى النهائيات، وقدمت دورات في التنمية البشرية، وبدأت بتعلم اللغة العبرية.

طاقتها الإيجابية وإرادتها العالية جعلتاها تلقّب نفسها بـ"وزيرة الإيجابية"، وجعلته وسما "هاشتاج" على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ترفقه بمنشوراتها من كتابات ومقاطع فيديو محفزة للنجاح والسعادة والتفاؤل.

وبيّنت: "اقتبست طاقتي من اسمي (سارة) الذي يعني الإيجابية والسرور والبشرى، وبهذه الصفات اقتربت من الناس، فكثير منهم يلجؤون لي ويخبرونني بما يشعرون به لأساعدهم، وكثيرا ما أسمع تعليقات مختلفة بأن أجمل صفاتي التي يراها الآخرون هي أن الابتسامة لا تفارقني، لذا أحاول أن أكون ملهمة للكثيرين".

خير جليس

ولا تنكر النجار فضل خير جليس في الزمان، فهي رغم كل الصعوبات تدمن القراءة، كجزء من حبها للتحدي، فالقراءة هي أكثر الأمور إرهاقا لها لكنها في ذات الوقت أكثرها متعة لأنها تتطور بفعلها.

وتحدثت النجار عن الصعوبات التي تواجهها في القراءة، فهي تستخدم عدسة مكبرة يدوية وتستغرق في قراءة الصفحة الواحدة 20 دقيقة، مما يسبب لها ألما في يديها ورقبتها وظهرها.

وأوضحت: "لا أنكر أن القراءة أضعفت حدة النظر لدي بشكل كبير جدًا، وسببت الحول في عيني، ومؤخرًا استبدلتُ العدسة بهاتفي الذكي فأصور ما أريد قراءته وأكبّر الصورة، وبهذه الطريقة حققت رغبتي بالقراءة في السيارة، الناس حولي يحدقون بالهاتف مستغربين من كبر الحجم الخط، لكني لا أبالي فأنا أفعل ما أحب".

وبالعودة إلى نشاطاتها، فالنجار مديرة لعدة فرق شبابية، ونفّذت العديد من المبادرات لخدمة المجتمع ومناصرة ذوي الإعاقة، والمرأة، وقدمت برامج للمرأة باسم "صورها صح"، وعملت في مجالات التسويق والعلاقات العامة والتكنولوجيا والإدارة لتثبت لنفسها ولمن حولها أن الشخص هو من يختار بنفسه نمط حياته.

تردد النجار دوما "اختلافاتنا تميزنا وإنسانيتنا توحدنا"، وتتخذ منها نهجا لحياتها، "فكما أن هناك شخصا طويلا وآخر قصيرا، وسمينا ونحيفا، فهناك شخص قوي النظر وآخر ضعيف النظر، وهذا الأمر طبيعي جدًا طالما العقل يعمل والقلب ينبض، فنحن قادرون على الإنتاج والحواس هي مجرد كماليات"، وفق حديثها.

طموحات النجار كبيرة لا يحدها سقف، وأبرزها أن يكون لها مكانة في الإعلام كمقدمة برامج، وأن تطبع مسمى "وزيرة الإيجابية" في نفوس الناس من خلال ما تقدمه، وأن تكمل مسيرتها التعليمية.