في خطوة تمّ التمهيد لها من قبل اليمين المتطرف الإسرائيلي المنضوي في الائتلاف الحكومي مع حزب الليكود، تقدم زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" بمشروع قرار يؤدي إلى شرعنة البؤر الاستيطانية المقامة على أراضٍ خاصة في الضفة الغربية المحتلة. لقد تمّ استغلال انشغال العالم عن القضية الفلسطينية سواء بما يحدث في الإقليم من صراع دامٍ على السلطة بين الشعوب العربية التي تبغي التحرر من الاستبداد السياسي وبين حكام تبنوا الدكتاتورية طريقاً لإرغام الشعوب على الطاعة والذلّ، كما تمّ استغلال النتائج المفاجئة للانتخابات الأمريكية التي أفرزت "دونالد ترامب" الأقرب لليمين والتطرف، والذي سبق الانتخابات بتصريحات داعمة لليمين الإسرائيلي فيما ينتقص الحق الفلسطيني.
لقد انتثرت هذه البؤر الاستيطانية على مرتفعات الجبال في الضفة الغربية المحتلة تحت سمع وبصر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، دون التعرض لإيقافها أو منع إقامتها وذلك كدلالة على التعاون المشترك بين مجموعات المستوطنين والسياسيين الإسرائيليين، حيث استخدمت الأحزاب المتطرفة ابتزازاً واضحاً من خلال ثقل أصواتها الانتخابية أو حجم مقاعدها في الكنيست على أنّها القادرة على خلق توازنات في تشكيل الحكومات المختلفة.
لا يوجد سبب لإقامة هذه البؤر الاستيطانية سوى العقيدة الصهيونية المبنيّة على إقامة دولة يهودية على أكبر مساحة من أرض فلسطين، وقد كان المستوطنون يستغلون أحداثاً أو عمليات فدائية هنا أو هناك متخذينها سبباً وذريعة ورد فعل لإقامة هذه البؤر المنتشرة كالسرطان في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة.
ويغطي مشروع شرعنة هذه البؤر الاستيطانية ما يقارب (55) بؤرة استيطانية وحوالي أربعة آلاف وحدة استيطانية في عدة مستوطنات في الضفة الغربية، ويجيز هذا القانون تطبيق قوانين التنظيم والبناء الإسرائيلي على هذه البؤر، ويسمح لها بالدعم الحكومي من خلال ميزانيات تخصص لتسهيل إقامة البنى التحتية وتوفير الأجواء المناسبة لتحويلها لمستوطنات تحت عباءة الحكومات الإسرائيلية، وتوفير الغطاء القانوني وتكاليفه أمام القضاء محليّاً ودوليّاً، وتعويض من يُثبت ملكيته من الفلسطينيين بالمال وقطع الطريق أمامه بعودة أرضه له.
تنبع خطورة هذه البؤر الاستيطانية من جوانب عدّة، فهي من ناحية تقطّع أوصال الأراضي الفلسطينية، وتحرم المواطنين الفلسطينيين من الإفادة من أراضيهم، كما أنها تحد من التوسع الطبيعي الهيكلي للبلدات الفلسطينية مما يجعلها حبيسة حدود قديمة لا تتناسب مع النموّ السكاني الفلسطيني، إضافة إلى حرمان الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية التي تقام عليها هذه البؤر الاستيطانية؛ مما يجعلها حرباً على القوت الفلسطيني وعلى الاقتصاد الزراعي من جانب آخر.
أمّا من الناحية السياسية فيعتبر قرار شرعنة البؤر الاستيطانية، بمثابة رصاصة الرحمة التي توجه لمشروع حلّ الدولتين، وهو المشروع الذي تبنته منظمة التحرير من خلال اتباعها سياسة المفاوضات كطريق وحيد لإقامة الدولة الفلسطينية، ومن هنا يبدأ التساؤل ، أين هي هذه الأرض الفلسطينية التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية؟ وذلك بعد إقامة أكثر من مئة وعشرين مستوطنة يضاف إليها عشرات البؤر الاستيطانية التي ستتحول لمستوطنات كاملة. وما هي الخطة الفلسطينية التي ستواجه هذا المشروع؟ الذي يعصف بمخطط السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بل وحركة فتح التي أقرّت في مؤتمرها السابع استراتيجياتها السياسية القديمة المبنيّة على حل الدولتين والمفاوضات كخيار أساسي في صراعها مع الاحتلال.
وأخيراً فإنّ نجاح هذا القانون لو تمّ بعد القراءتين الثانية والثالثة، فإنه سيفتح الباب مشرعاً أمام الجمعيات الاستيطانية وكذلك حكومات الاحتلال لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وسيزيد ضيق الخناق بصورة كبيرة على المواطنين الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى سيفتح شهية الكتل البرلمانية اليمينية المتطرفة لتقديم المزيد من مشاريع القرارات التي ستدعّم الاستيطان، وبالتالي يقود ذلك لضم المستوطنات بشكل نهائي.