مع حلول الذكرى السابعة عشرة لانتفاضة الأقصى، يستعيد أهالي قلقيلية ذكريات مؤلمة ما تزال قائمة جراء ما فعله الاحتلال بهم؛ بعد أن حوَّل مدينتهم إلى سجنٍ كبير يعيش بداخله 55 ألف مواطن صاروا يتحركون في مساحةٍ ضيقة بمساحة الأربعة كيلومترات.
ولعله وصف دقيق ذلك الذي قاله الناشط في مقاومة الجدار محمد زيد: "إن انتقام الاحتلال من مدينة قلقيلية في انتفاضة الأقصى كان قاسيًا جدًا وخطف الحياة منها وجعل منها سجنًا كبيرًا".
ولو عدنا إلى بداية الحكاية؛ فإن موقع صوفين التاريخي الواقع شرق المدينة كان قد شهدَ حادثًا فارقًا بعد اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق (أرائيل شارون) للمسجد الأقصى بيومٍ واحد، حين أطلق شرطي فلسطيني النار على دورية مشتركة في المكان.
يقول المواطن أبو محمد: "أنا ابن قلقيلية، و أذكر جيدًا أن الضابط الفلسطيني انتصر للمسجد الأقصى بعد سخرية "ضابط حرس الحدود" من الفلسطينيين والمسجد الأقصى، وكانت الدوريات المشتركة تجوب مدينة قلقيلية حسب اتفاقية أوسلو، وخلال توقف الدوريات عند موقع صوفين التاريخي أشهرَ الضابط الفلسطيني سلاحه وأطلق النار على ذلك الضابط".
ومع اندلاع انتفاضة المسجد الأقصى اتخذ الاحتلال قرارًا بإقامة الجدار حول الضفة الغربية، إلا أنه في مدينة قلقيلية كان له مسار يختلف عن باقي المناطق؛ يوضحه الناشط زيد بالقول: "الكثافة السكانية العالية وحرمان المدينة من التواصل مع محيطها، وعزل معظم أراضيها خلف الجدار العنصري، واقتصار مدخل قلقيلية على مدخل شرقي رئيس ومدخل فرعي عبر نفق، هذا الوضع الإنساني الخطير جعل الأهالي يعيشون في منطقة معزولة تمامًا بسبب الجدار الذي أحاطها إحاطة السوار بالمعصم".
ويتحدث مدير دائرة الزراعة في محافظة قلقيلية المهندس أحمد عيد عن حال المدينة بعد انتفاضة الأقصى؛ قائلًا: "حرم الاحتلال مدينة قلقيلية بالتحديد وكامل المحافظة من ثروتها الزراعية من خلال عزل الأراضي؛ والعديد من الآبار الارتوازية خلف الجدار؛ إضافة لعدم السماح للمزارعين بالوصول إلى أراضيهم إلا من خلال تصاريح أمنية يتم منحها وفق معايير أمنية قاسية، فقد تحوّلت أراضيها الزراعية إلى أراضٍ خالية من الحياة وخصوصًا في منطقة "الكاره"، التي كانت تشكل سلّة الغذاء من الحمضيات والخضروات لشمال الضفة الغربية، وتصدّر منتوجاتها للأسواق العربية عبر "معبر الكرامة".
وتطرق رئيس بلدية قلقيلية د. هاشم المصري إلى الآثار المدمرة التي تركها الجدار بعد إقامته عقب انتفاضة الأقصى الثانية؛ وقال لــ"فلسطين": "إذا ذُكر الجدار ذُكرت قلقيلية معه، فهو سلبها الحياة، إنها المدينة الوحيدة التي تصل فيها الكثافة السكانية إلى قرابة 11 ألف نسمة في الكيلومتر، وهذه الكثافة تسبب ضغوطًا كبيرة على المواطنين المحرومين من التوسع بسبب الجدار والطرق الالتفافية والمستوطنات التي أقيمت على أراضيها؛ ونتيجةً لذلك يضطر الأهالي للتوسع عموديًا من خلال الأبراج السكنية الآخذة بالازدياد ضمن مساحةٍ ضيقة، فهذه الأبراج تحتاج إلى بنيةٍ تحتية ومرافق تلائم حجم السكان الذين سيقطنون فيها".
وأشار إلى أن البلدية تحاول التخفيف من آثار الحصار والجدار على الأهالي باستمرار؛ من خلال التعديلات التي أجرتها على المخطط الهيكلي كي يلائم خصوصية المدينة.
وأكد رئيس البلدية أن آثار الجدار قاتلة على كل القطاعات، موضحًا: "الاحتلال في انتفاضة الأقصى انتقم من قلقيلية بشكلٍ مؤلم كعادته في التعامل مع الفلسطينيين، حتى الأموات تضرروا؛ فلا مساحة توجد لمقبرة جديدة؛ ما اضطر الأهالي إلى طمر المقبرة والدفن فوق القبور القديمة".
فيما قال نائب رئيس الغرفة التجارية طارق شاور أن الاحتلال ضرب اقتصاد المدينة في العمق بعد إقامة الجدار عام 2002م، فالمزارع فقد أرضه، والتاجر أصبح بلا زبائن نتيجة إجراءات الاحتلال، ذلك أن وضع حاجز على مدخل المدينة الشرقي يشلّ كامل قطاعات المدينة وخصوصًا الاقتصادية.