كما كان متوقعًا من قبل الكثير من المحللين والقيادات المجتمعية، فشل اجتماع الأمناء العامين للفصائل في تلبية طموح وتطلعات أبناء الشعب الفلسطيني الذي ألِفَ وربما سئم في الغالب مثل هذه اللقاءات التي تعقد دون أن يلمس المواطن الفلسطيني لها أدنى أثر، الأمر الغريب أن المجتمعين منذ سبعة عشر عامًا هم نفس الشخصيات التي تجاوزت لقاءاتها العشرات من المرات، وأظن أن مواضيع النقاش وتفاصيله أصبحت بمثابة النصوص المحفوظة لديهم لكثرة ما ناقشوها وبحثوها ودرسوها، ولم أعد أفهم حقيقة كيف يمكن لهؤلاء "القادة" أن يذهبوا بكل هذه الجسارة لمثل هذه اللقاءات دون أن يحسبوا أدنى حساب لعواقب الفشل، وكأن الفشل الذي يصاحب هذه اللقاءات المتكررة في عرفهم بلا ثمن، نعم فلا ثمن لحالة الإحباط واليأس والتردي التي أورثتها هذه اللقاءات في نفوس أبناء شعبنا، وإلا لما تعامل المجتمعون بهذا القدر من الاستهتار مع هذه اللقاءات، وبغض النظر عن تبريرات من ذهب لهذا اللقاء الذي كان الكثيرون يعرفون نتائجه سلفًا، خصوصًا بعد لقاء أنقرة بين أبي مازن وإسماعيل هنية.
فالحقيقة الثابتة أن المؤتمر فشل فشلًا ذريعًا، وهذا الفشل يضاف إلى رصيد حالة الإحباط واليأس والتردي التي أصبحت حالة مَرَضِية مزمنة يعانيها شعبنا، أضف إلى ذلك ما يصاحب هذه الحالة من نتائج كارثية على مجمل القضية الفلسطينية.
قديمًا قالوا لنا إن من أسباب سقوط روما أنها كانت محاصرة بجيوش الأعداء، في حين كان نخبها ومثقفوها في حالة جدل سفسطائي حول جنس الملائكة هل هم ذكور أم إناث.
اقرأ أيضًا: لقاء الأمناء العامين.. المسؤولية الوطنية والمناورة السياسية!
اقرأ أيضًا: شعبٌ غير متفائل.. ولقاءات تنظيمية متكررة
ولا أظن أننا -نحن الفلسطينيين- بعيدون عن تلك الحالة، فحكومة اليمين الفاشي تتخذ إجراءات وقرارات حاسمة ومصيرية وغاية في الخطورة على قضيتنا الوطنية، في حين أن الأمناء العامين يجتمعون من أجل الاتفاق على لجنة مهمتها الخوض في الجدل الذي أصبح بمثابة النصوص المحفوظة لكل مشتغل بالشأن السياسي الفلسطيني، كما أسلفت.
أمام هذه الحالة المستعصية التي جعلت من طموحات الشعب وآماله رهينة لدى قيادة غير عابئة البتة بهذه الآمال والطموحات، لا بد من أن يقرر الشعب تجاوز هذه القيادة التي أصبحت سدًّا يحول دون وصول الفلسطينيين إلى مبتغاهم.
فهل يمكن للشعب أن يتجاوز قيادته العاجزة؟ أجل ممكن، فما يُكسب هذه القيادة "شرعيتها المزعومة" أنها تدّعي تمثيلها الشعب الفلسطيني، وهي في ذات اللحظة تمنع الشعب من اختيار قيادته بدعاوى واهية تلبس ثوب الوطنية تارة والانقسام تارة والأوضاع الميدانية على الأرض تارة أخرى.
دعونا نتساءل: ما المانع أمام هذا الواقع المؤلم أن يأخذ الشعب زمام المبادرة ويبدأ باتخاذ خطوات عملية ذات طابع شعبي لتغيير هذا الواقع بتجاوز هذه القيادة، ومن ثم الاتفاق على برنامج وطني جامع تحمله قيادة ذات رؤية وطنية نابعة من نبض الشعب وليست معزولة عنه، نخاطب به العالم كشعب فلسطيني، ويمكن أن يتم ذلك من خلال فرض انتخابات شعبية تشرف عليها لجنة انتخابات شعبية توافقية، وتقوم هذه اللجنة بكل ما يمكن أن تقوم به "لجنة الانتخابات الرسمية" -تلك اللجنة التي لا تستطيع اتخاذ أي إجراء دون قرار من أبي مازن- من تحديث السجل الانتخابي ثم إعلان فتح باب الترشح والإشراف على عملية الدعاية الانتخابية، والطلب من مراقبين دوليين ومحليين مراقبة شفَافِيَة الانتخابات، وتنظيم عملية الاقتراع من خلال وضع صناديق الانتخابات في الجامعات والمتنزهات ومفترقات الطرق العامة، وتكليف لجان شعبية للإشراف على عملية الاقتراع والفرز، ومن ثم إعلان النتائج للعالم، لنثبت أن الشعب الفلسطيني قد اختار قيادته بطريقة ديمقراطية شعبية وبرقابة دولية ومحلية، وسيكون لهذه القيادة التي انتخبت بقرار شعبي، قوة تأثير وممارسة على أرض الواقع رغم أنف الاحتلال، ورغم أنف كل من يرغب في إبقاء الشعب الفلسطيني غارقًا في حالة التشظي التي لا تخدم إلا الاحتلال.
فهل يفعلها الشعب ويتجاوز القيادة المفروضة عليه فيختار قيادته بنفسه؟