منذ ما قَبل قيامها، يحاول عتاة الحركة الصهيونيَّة، استدعاء التاريخ و(فبركته) لصناعة «هُوِيَّة وطنيَّة جامعة» لكيان (إسرائيل) بعنوان «الشَّعب اليهودي» أو «القوميَّة اليهوديَّة»، فكان طريقها اختلاق التاريخ وسرقة حتى التراث العربي الفلسطيني لصناعة هُوِيَّة، وهو ما أفصح عَنْه بشكلٍ صارخ البروفيسور «الإسرائيلي» شلومو ساند في كتابه (اختراع الشَّعب اليهودي).
بالمقابل، وفي مواجهة عمليَّات اقتلاع السكَّان والتمييز القومي والطبقي، والسَّعي لإنهاء الهُوِيَّة العربيَّة للشَّعب الفلسطيني ولفلسطين، وخصوصًا لمَن تبقَّى من أبناء فلسطين داخل المناطق الفلسطينيَّة المحتلَّة عام 1948. صمد الفلسطينيون دفاعًا عن وطنهم وعن هُوِيَّتهم الوطنيَّة العربيَّة. ليضعوا صنَّاع القرار في دولة الاحتلال الصهيوني، الذين اعتقدوا في حينها بأنَّ سياسات «الأسرلة» وطمي الهُوِيَّة العربيَّة والتذويب القومي، قَدْ فَعَلت فِعلها في صفوف مَن تبقَّى من الشَّعب الفلسطيني داخل مناطق عام 1948.
فالردُّ الفلسطيني، وردُّ أبناء الجولان السوري المحتل، كان الردَّ الصَّاعق فقَصَمَ ظهر المراهنات «الإسرائيليَّة» وأعاد على الملأ طرح الأسئلة الصَّعبة داخل كيان الاحتلال، مُذكِّرًا في الوقت نَفْسِه العالم بأسْرِه بأنَّ القضيَّة الوطنيَّة للشَّعب الفلسطيني واحدة لا تتجزأ، وأنَّ الشَّعب الفلسطيني سيبقى واحدًا موحَّدًا بَيْنَ الداخل والضفَّة والقِطاع والشَّتات مهما تفاقمت المصاعب والالتواءات. فالهُوِيَّة العربيَّة والانتماء القومي ما زال يَشِعُّ حاضرًا وبقوَّة في فلسطين والجولان. وهنا كانت الهُوِيَّة الوطنيَّة في الوحدة المُجتمعيَّة في مواجهة الاحتلال وكُلِّ تجسيداته، وما زال الصراع دائرًا ولا خوف على فلسطين ما دامت جزءًا من الهُوِيَّة الوطنيَّة والقوميَّة العربيَّة، وما زال شَعبها ممتشقًا ناصية الكفاح بعُمقه الهُوِيَّاتي والقومي.
اقرأ أيضًا: (إسرائيل).. تعديلات قضائية وانهيار اقتصادي
اقرأ أيضًا: (إسرائيل) بعد التعديلات القضائية.. أكثر عدوانًا وأشد وهنًا
إنَّ الفلسطينيين، أصحاب الهُوِيَّة المتأصِّلة، وأصحاب الأرض الأصليين، لا يُمكِن مسحُهم أو مسحُ هُوِيَّتهم الوطنيَّة، وهذا ما أكَّدَت عليه كُلُّ الوقائع التي تلت نكبة فلسطين، فبقي الفلسطينيون أصحاب هُوِيَّة، هُوِيَّتهم العربيَّة، في مواجهة مَن ليس لهم هُوِيَّة. وسيرورة الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948 شامخين في معركتهم المخصوصة، ولا سيَّما في ما يتعلق بالحفاظ على هُوِيَّتهم وانتمائهم القوميّ والوطنيّ في مواجهة شتَّى عوامل تشويههما وفي مقدّمها عامل «الأسرلة» الذي راهن عليه دهاقنة «إسرائيل»، فسقطت «الأسرلة» وانتهت.
من هنا، كان وما زال لبقاء هؤلاء المواطنين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 الأثر الأكبر والأهم في مسار حياة كيان الاحتلال الصهيوني، الذي استفاق بعد عقود قليلة من إنشائه ليرى أمامه كتلة سكَّانيَّة فلسطينيَّة كبيرة باتت تفوق المليون وثمانمائة ألف مواطن فلسطيني، يُشكِّلون جزءًا عضويًّا وأساسيًّا من أبناء الشَّعب الفلسطيني وحركته الوطنيَّة والتحرريَّة بأضلاعه الثلاثة: فلسطينيو الداخل 1948، وفلسطينيو الضفَّة الغربيَّة والقِطاع والقدس، وفلسطينيو الشَّتات. حيث فشلت كُلُّ سياسات الاحتلال في «أسرلة» أو تذويب هُوِيَّة الفلسطينيين في الداخل المحتل، الهُوِيَّة الوطنيَّة والقوميَّة، الذين استفاقوا بعد سنوات من ظلام النَّكبة، وهم يستعيدون دَوْرهم في المعركة الوطنيَّة التي يخوضها أبناء شَعبهم في الضفَّة الغربيَّة والقدس وقِطاع غزَّة كما وشَعبهم في الشَّتات المحيط بفلسطين.