غالبا ما يتعرض المصابون بأمراض القلب إلى مشاكل نوم مروعة، والآن، حدد العلماء ارتباطا مباشرا بين هذه الحالات لأول مرة في دراسة جديدة أجريت على الفئران والأنسجة البشرية.
وأظهرت الدراسة التي نُشرت في مجلة Science، أن أمراض القلب قد تعرقل إنتاج هرمون النوم الميلاتونين في الدماغ بسبب تلف مجموعة من الأعصاب التي تتصل بكلا العضوين - العقدة الرقبية العلوية (SCG).
وتوجد هذه الأعصاب في الرقبة، وهي جزء من الجهاز العصبي اللاإرادي الذي ينظم العمليات اللاإرادية في الجسم، مثل التنفس ومعدل ضربات القلب.
ونظرا لأن الأعصاب التي تنشأ من العقدة الرقبية العلوية تتصل بكل من القلب والغدة الصنوبرية، وهي بنية الدماغ الدقيقة المسؤولة عن إنتاج الميلاتونين، فإن المشكلات المتعلقة بالقلب يمكن أن تفسر سبب انحراف صانع الميلاتونين في الجسم عن المسار الصحيح.
وقال كبير مؤلفي الدراسة ستيفان إنجلهارت، أستاذ علم العقاقير والسموم في الجامعة التقنية في ميونيخ، في بيان: "تخيل العقدة على أنها صندوق تبديل كهربائي. في حالة مريض يعاني من اضطرابات في النوم عقب مرض قلبي، يمكنك التفكير في مشكلة في أحد الأسلاك ما يتسبب في اندلاع حريق في صندوق التبديل ثم انتشاره إلى سلك آخر".
وأضافت بروك أجروال، الأستاذة المساعدة في العلوم الطبية في جامعة كولومبيا والذي لم يشارك في الدراسة، لموقع "لايف ساينس"، إن البحث "مهم وفي الوقت المناسب"، مشيرة إلى أنه "يقترح آلية جديدة قد تساعد على تفسير سبب كون المصابين بأمراض القلب أكثر عرضة لاضطرابات النوم".
ومضت في تحذيرها، قائلة: "يجب إجراء دراسات مستقبلية، بالإضافة إلى التجارب السريرية لأي علاجات محتملة ناشئة عن هذه الآلية".
ويعد النضال من أجل النوم أحد الآثار الجانبية الشائعة لأمراض القلب، على سبيل المثال، يعاني ما يصل إلى 73% من المصابين بقصور القلب من أعراض الأرق. وأظهرت الدراسات السابقة أن مستويات الميلاتونين تنخفض لدى المصابين بأمراض القلب، لكن العلماء لم يعرفوا السبب.
وفي الدراسة الجديدة، حلل الباحثون عينات من أنسجة المخ البشري مأخوذة من مرضى القلب المتوفين ومن أشخاص غير مصابين بأمراض القلب.
وكشف تحليل ما بعد الوفاة هذا عن انخفاض عدد الألياف العصبية، أو المحاور العصبية في العقدة الرقبية العلوية للأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب مقارنة مع مجموعة التحكم "قلب صحي".
وكانت العقدة الرقبية العلوية للأفراد المصابين بأمراض القلب متضخمة بشكل ملحوظ.
وفي تجارب الفئران، وجد الفريق أن الخلايا المناعية المسماة البلاعم، والتي تلتهم الخلايا المريضة والمتضررة، كانت موجودة في العقدة الرقبية للفئران المصابة بأمراض القلب، وأظهرت أعصاب القوارض علامات الالتهاب والتندب. وكان لدى الفئران أيضا عدد أقل من المحاور في غددها الصنوبرية وكمية أقل من الميلاتونين في دمائها مقارنة بالفئران السليمة. والإيقاعات اليومية للقوارض - العمليات الداخلية التي تنظم كيفية استجابة الجسم ليلا ونهارا - تعطلت أيضا، كما يتضح من التغيرات في معدلات التمثيل الغذائي ومستويات النشاط، على سبيل المثال.
ووجد الفريق أن إعطاء الميلاتونين للفئران أدى إلى عكس هذا الاضطراب تماما. بالإضافة إلى ذلك، عندما تم استخدام الأدوية لتدمير الضامة في العقدة الرقبية العلوية للقوارض، تمت استعادة مستويات الميلاتونين لديهم.
ولأن هذه التحليلات أجريت على الفئران و16 شخصا فقط، فإن النتائج "تتطلب مزيدا من الدراسات" للكشف عن الآليات التي تدفع الخلايا المناعية إلى العقدة الرقبية العلوية، كما لاحظ الباحثون في الورقة. وقد يتضمن ذلك دراسة الخلايا العصبية التي تربط القلب والحبل الشوكي، بالإضافة إلى بروتينات المرسال التي تسمى السيتوكينات والتي تستدعي الضامة.
ويعتقد الفريق أن الدراسة قد تمهد الطريق لتطوير عقاقير جديدة لعلاج اضطرابات النوم التي تسببها أمراض القلب.
وقال إنجلهاردت: "سيكون من المهم الآن الحصول على دليل في تجربة سريرية عشوائية لتحديد ما إذا كان الميلاتونين العلاجي فعالا بالفعل في علاج اضطرابات النوم لدى مرضى القلب المزمن. وإذا ثبتت فعاليته، فإن هذا قد يجنب العديد من المرضى الآثار الجانبية غير الضرورية التي تأتي مع الحبوب المنومة العادية".