يتوجه المزارع إياد حافظ من بيته في قرية عين البيضا إلى أرض أجداده في خربة الدير بالأغوار الشمالية، ويده على قلبه خشية اعتداءات مستوطني "ميخولا" المتواصلة تجاه أرضه والمحاصيل التي تنتجها.
ولا يعيش حافظ كغيره من مزارعي ومالكي الأراضي في "الدير"، حياة هانئة فكل يوم هناك اعتداءات، وأعمال تخريب من المستوطنين لدفعهم نحو ترك الأراضي بلا رجعة.
ويقول حافظ لـ"فلسطين": "قبل مدة اعتدى المستوطنون عليَّ وعلى عدد من المزارعين، وحدث بيننا اشتباك بالأيدي، وأطلقوا بعدها 500 رأس من البقر على أرض أخي وأتلفوا موسم البطيخ والشمام ما أدى إلى تكبد خسائر فادحة.
ويمتلك حافظ 34 دونمًا في خربة الدير، يزرعها بالزيتون، والخضروات، والفواكه، وهي المزروعات التي تشتهر بها القرية، كما يمتلك 500 دونم في خربة الساكوت صادرها الاحتلال وأقام مستوطنة عليها.
وفي الخربة الواقعة برأس المثلث الفاصل بين الضفة الغربية، والأردن والداخل الفلسطيني المحتل، يعيش من تبقى من السكان الفلسطينيين، في صراعٍ دائم مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاتها الرامية لتغيير الحقائق وتهويد المكان وهويته منذ عام 1967.
فبعد النكسة هُجِر كل سكان الخربة من قبل العصابات الصهيونية، ومع ذلك لم يترك والده وجده الأرض ويواصلون زراعتها منذ ذلك الوقت، وقد بنوا فيها غرفًا من الصفيح إمعانًا في الصمود بالرغم من التهجير القسري، ويواصل حافظ وعائلته المسير في فلاحة الأرض، وتربية المواشي، والأغنام فيها.
اقرأ أيضًا: الاحتلال يسلم إخطارات هدم بالقرب من جنين ومستوطنيه يقتحمون خربة الدير
ويعاني حافظ قلة موارد المياه بعد مصادرة الاحتلال الإسرائيلي، واستيلاء المستوطنين على الينابيع التي يروي منها مزروعاته، ويسقي مواشيه، ويستخدمها في الشرب أيضًا، واصفًا مياه الينبوع "بأنها أنظف وأحلى مياه في العالم".
وتبلغ مساحة "الدير" نحو 18 ألف دونم، وتشتهر الخربة بالزراعة والمراعي، وتكثر فيها الينابيع العذبة، لكنّ المواطنين الفلسطينيين لا يستفيدون منها لنظرًا لاحتلالها، كما تُلاحقهم قوات الاحتلال دائمًا للتضييق عليهم، وحملهم على ترك بيوتهم وممتلكاتهم.
أما المزارع الفلسطيني عبد ربه بني عودة فذاكرَته متخمة بذكريات التهجير التي بدأتها عائلته في عام النكسة، ولا يزال يعيش تبعاتها عامًا بعد عام ما بين قرى سمرة، والنصارية، ومثلث الحلوة، وأم القبا، حتى حط الرحال في "الدير".
ويقول عبد ربه لـ"فلسطين": "انتهاكات الاحتلال والمستوطنين لا تنتهي، بالرغم من وجود الأوراق التي تثبت ملكيتنا لهذه الأراضي، إلا أنهم يمعنون في تعذيبنا حتى يدفَعونا نحو الهجرة، بإخطارات الهدم، وهدم البيوت، وتخريب الممتلكات".
ويشكو المزارع الفلسطيني من افتقار الخربة للبنى التحتية وعدم توافر التيار الكهربائي، إضافة إلى النقص الحاد في المياه بسبب سيطرة الاحتلال على الينابيع، وإرغامهم على شراء المياه منه.
منطقة غنيّة
من جهته، يبين الخبير في شؤون الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية عارف دراغمة أن خربة الدير تبعد عن الحدود الأردنية نحو كيلومتر واحد، وجميع سكانها من محافظة طوباس ينتمون لعائلة "الدراغمة".
ويقول دراغمة لـ"فلسطين" إن سلطات الاحتلال شردت جميع سكان "الدير"، في حين يصمد على أرضها اليوم ثماني عائلات فلسطينية من المزارعين ومالكي الأراضي، مشيرًا إلى أنه قبل عام 67 سكن الخربة 2500 عائلة من جميع أنحاء الضفة الغربية.
اقرأ أيضًا: مئات المستوطنين يقتحمون "خربة الدير" بالأغوار الشمالية
ويلفت إلى أن "الدير" تعرضت لعمليات هدم وتدمير بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة، لادعاء الاحتلال بأنها منطقة أثرية وتحتاج إلى تراخيص للبناء، في حين استولت مستوطنة "ميخولا" المجاورة للخربة على 13% من أراضي الخربة .
ويضيف دراغمة أن 20% من أراضي الدير القائمة تحت رعاية المزارعين الفلسطينيين ما تزال غنيّة بالمياه والخصوبة، في حين ذهبت بقية مقوماتها لأطماع الاستيطان، مشيرًا إلى أن الاحتلال دمر 9 برك مياه من أصل 15 بركة لأغراض الزراعة والشرب، ويختلق الذرائع لهدم ما تبقى بهدف إنهاء الوجود الفلسطيني.
وتُشكل مناطق الأغوار 28% من مساحة الضفة الغربية، على مساحة بـمليون و160 ألف دونم، ويقطن فيها نحو 65 ألف فلسطينيّ، يتبعون إداريًّا إلى ثلاث محافظات وهي: أريحا (الأغوار الجنوبيّة) وبواقع 12 تجمعًا سكانيًّا، ونابلس (الأغوار الوسطى) وبواقع 4 تجمعات سكانيّة، وطوباس (الأغوار الشماليّة) وبواقع 11 تجمعًا سكانيًّا.