فلسطين أون لاين

تقرير تفوق أبناء الشهداء.. فرحة تجبر قلوب الأمهات

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

قبيل إعلان نتائج امتحانات الثانوية العامة، اجتمعت العائلة حول "نور"، ابنة الشهيد محمد أبو شمالة، في حالة من التوتر والقلق واللهفة لسماع نتيجتها. وعندما وصلت رسالة هاتفية تخبرها بحصولها على معدل 81.9% بالفرع العلمي، ذهبت نحو صورة والدها في لحظة مؤثرة، امتزجت دموع الفرح والحزن في آن واحد، فتذكرت هداياه مع كل تفوق وفرحته الغامرة بكل إنجاز قبل استشهاده قبل 9 سنوات حينما كانت في الثالث الابتدائي.

أصبح أبناء الشهيد محمد أبو شمالة، مثل بقية أبناء الشهداء الفلسطينيين، رمزًا للانتصار على الاحتلال الذي قتل آباءهم. تملأ إنجازاتهم قلوب أمهاتهم بالفرح، مع تجاوز كل المصاعب والألم التي تكبدنها بعد استشهاد أزواجهن.

رغم فقدانها والدها قبل تسع سنوات، إلا أن نور لم تستسلم، واختارت دراسة تخصص "هندسة حاسوب". وليست هي فقط، بل سبقتها شقيقتاها في مسار التفوق والنجاح. قبلها بعامين، حققت شقيقتها "آية" معدل 82.6% وتدرس حاليًا تخصص "تكنولوجيا المعلومات"، أما "ربا" فحصلت على معدل 92% وهي في السنة الرابعة من تخصص "طب الأسنان".

اقرأ المزيد: "رُبا" تتفوَّق لتحقق حلم والدها الشهيد محمد أبو شمالة
 

قبلة على جبين الوطن

"فرحة النجاح جميلة ولا توصف، نهديها لروح (أبو خليل)، الذي كان يلقب ابنته بـ(الملكة نور) وحظيت برضاه، كما تشابهت ملامحهما. نحن نسير على دربه ونحمل اسمه، فقد كان داعمًا وسندًا لنا. هذا النجاح يحمل رسالة من ثوابت زوجات وأبناء الشهداء، إننا استطعنا أن نضع قبلة نصر وفرح على جبين وطننا"، تشعر بعمق الصبر على الفقد في كل كلمةٍ التقطتها صحيفة "فلسطين" وهي تستمع إلى زوجة الشهيد أبو شمالة.

بعد رحيل أبو شمالة القائد البارز في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في 21 آب/ أغسطس 2014، تفوق ثلاثة من بناته، تصفها زوجته بأنها "ثلاث مراحل فرح من سبع، وتنتظر فرحتها بوحيدها من الذكور "عبد الله الذي سيقدم اختبارات "التوجيهي" العام المقبل بالفرع العلمي، وتليه شقيقاته: جنان، وأسماء، وهدى.

رغم مرور تسع سنوات على رحيله، لم يغب عن عائلته، فمقتنياته بقيت كما هي تذكرهم به، لا ينساه أبناؤه من جميع مناسباتهم وسلوكهم وهم يقتدون باسمه ومسيرة مقاومة حافلة شهدت عليه، "لم يكن أبو عبد الله ذكرى، فهو موجود مع أولاده في كل وقت. صحيح الفقد صعب، لكننا نتعالى على جراحنا ونعض عليها من أجل إكمال المسير، والسير على دربه كما شرفنا بتاريخه وجهاده"، تتدفق كلمات الفخر من قلبها.

اهتم أبو شمالة بتحفيز أبنائه، فلم يمنعه العمل المقاوم ولا مطاردته المتواصلة من الاحتلال عن متابعة أحوال أطفاله، تستذكر زوجته: "كان يتفقد دفاتر الأولاد ويطّلع على واجباتهم، وكنت أجتهد في تدريسهم لينالوا أعلى الدرجات لإدخال الفرحة على قلبه، حتى خلال المفاوضات التي سبقت صفقة (وفاء الأحرار) لم يمنعه انشغاله وسفره إلى مصر، من الاتصال لمعرفة معدلات أبنائه في مدارسهم".

فرحة بعد صدمة

في مشهد آخر، امتلأ منزل والدة الشهيد عادل داود (15 عامًا) من مدينة قلقيلية -الذي قتلته قوات الاحتلال في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2022- بالأقارب الذين تجمعوا حولها وعلقوا حبال الزينة ونصبوا أطباق الحلوى الكبيرة ومكبرات الصوت وأحضروا "علب الثلج".

حينما حانت إعلان النتائج، حبست والدة الشهيد أنفاسها وهي تترقب نتيجة ابنها الآخر "يوسف" وعمَّ الصمت المكان للحظة، قبل أن تكسرها فرحة "جبرت قلبها"، بحصوله على معدل 75% بالفرع العلمي. تتعالى صيحات الفرح بعد أشهر طويل سكن الحزن قلوبهم، وحضرت دموع الفرح التي لم يحضرها الشهيد.

تزاحم كلمات الفرح والدة الشهيد، قائلة لصحيفة "فلسطين": "كانت ثقتي بالله كبيرة بأنه لن يضيعنا بعد الحزن والفقد وأنه سيجبر قلوبنا المكلومة، فهذا النجاح عوض من الله، فمرت على ابني يوسف ظروف صعبة، فمدرسته تعطلت شهرين، واستشهد شقيقه عادل واشتدت عليه وعكة صحية، فاعتبرت معدله إنجازًا عظيمًا بسبب الظروف التي مررنا بها، وعبرت عن فخري به".

لم يتجاوز "يوسف" ألم فقد شقيقه بسهولة، ففي كل مرة كان يفتح كراس الدراسة تطل عليه صورة شقيقه الطفل، لتنبش ذكريات تحضرها دموع تساقطت على الكراس، لكنه تحامل على نفسه حتى يدخل الفرح على قلب والدته، محاولًا محو حزنٍ استوطن داخل البيت بإعدام شقيقه.

تقول أمه: "استشهاد عادل مثّل صدمة لنا، فعلاقة الأخوة قوية فكان وقع الفراق قاسيًا، فحاولت تشجيعه وقلت له: ربنا أكرمنا بشهادة أخوك، وحفزته على النجاح لإهدائه لشقيقه وأن يواصل المذاكرة ولا يتكاسل ولا يقصر في ذلك ثم يترك التوفيق على الله".

كحال سابقه، وقبل تقديم امتحانات الثانوية العامة بشهر تلقى "مصطفى" صدمة استشهاد والده محمد أبو بكر من مخيم "العين" خلال مواجهات مع قوات الاحتلال بتاريخ 3 إبريل/ نيسان الماضي.

أن يعود "مصطفى" ويجلس أمام كتبه الدراسية كان التحدي الأكبر مع اقتراب الامتحانات، وفي كل محاولاته لذلك أفسدت الدموع عودته ولم يستطِع استعادة همته أمام قسوة رحيل والده الذي كان يعتبره "صديقًا وليس أبًا" ويرافقه في كل الأماكن التي يذهب إليها.

لكن صوت والده القادم من نوافذ الذاكرة: "نفسي أفرح فيك، وتنجح بالتوجيهي" كان دافعًا له للمذاكرة، وشحن معنوياته تحقيقًا لرغبة والده، وهو ما تحقق بنجاحه وحصوله على معدل 65.6% بالفرع الأدبي.

لحظة إعلان النتيجة توافد الأقارب، وبادلوا مصطفى التهاني بنجاحه، لم تفارق الدموع المشهد، فكان يمني النفسي أن يكون والده حاضرًا يشاركه فرحته.

"الحمد لله على النجاح، بعد أن مررت بظروف قاسية، فودعت أبي قبل شهر من الامتحانات، كانت صدمة لكن تحاملت على نفسي للخروج من الحزن، وعدت للدراسة قبل الامتحانات بأسبوع" يكسر الفقد مشاعر الفرح في قلب مصطفى وهو يتحدث لصحيفة "فلسطين".

انتظر الشهيد أبو بكر هذه اللحظات بفارغ الصبر، فكان دائمًا يحفز نجله على المذاكرة للدخول في الجامعة، مهديًا النجاح إلى روح والده بأنه" أوفى بوعده له وحقق رغبته".