عند الساعة الثامنة والنصف صباحًا، جلست لينا أبو سلمية تنتظر على أحر من الجمر موعد إعلان نتائج الثانوية العامة، فتارة تمسك هاتفها المحمول، وأخرى تمعن النظر بعينيّ والدتها التي تشاركها القلق ذاته.
تلك اللحظات تبدو أطول من العمر، تدق فيها القلوب رهبة وأملًا، وترقب النفس ما تتمنى بلهفة وشوق، يمر الزمن كأنه سنوات طويلة.
في غمرة الانتظار كان والدها يمسّد على كتفها، حتى رن هاتفه عند الساعة الـ 8:59. اتجهت نظرات أسرتها على الهاتف، وحال الأعين تتساءل بامتعاض من المتصل في هذا الوقت وما الذي يريده؟ قطع التساؤلات إجابة والدها: نعم ابنتي لينا، هل أنت متأكد؟ الله يبارك فيك، واختتمت المكالمة بدمعة باردة سقطت من والدها على حين غفلة.
"لينا… أنت الأولى على فلسطين بمعدل في 99.7 الفرع العلمي"، فأن تحصد معدلًا ولقبًا كهذا كان كفيلًا ليهتزَّ البيت بالصرخات الفرِحة، والزغاريد والدموع التي تنهمر فرحًا على وجه الطالبة لينا وعائلتها.
تحدٍ وإصرار
تقول لينا والفرح يغمر صوتها: "توقعت نتيجتي، وكنت أنتظر اسمي في التلفاز، لكن لحظات الترقب تلك لا بدّ منها، خاصة وأن توجيهي ملئ بالمفاجآت، ولكن الحمد لله ربنا لم يخيّب أملي".
وتضيف لـ "فلسطين": "فرحتي حقيقةً لا تُوصف، فأن يتوّج تعب سنة كاملة من الدراسة والجد والاجتهاد بمعدلي الذي أطمح وأسعى له كان إنجاز عظيم ولن تستطيع كل حروف اللغة العربية أن تصف ما أشعر به".
وتوضّح لينا أن العام الدراسي لم يكن مكللًا بالورود، كما أنه لم يكن في غاية الصعوبة، "لكنني وضعت نصب عيني هذا المعدل، وجعلته تحديًا لي طيلة العام، وثقت بالله وآمنتُ أني أستطيع".
وتشير إلى أن نظرة الناس إلى التوجيهي، وتعظيمه بشدة في قلوب أبنائهم، يشكل عامل توتر كبير، "بالرغم من أن سنة الثانوية العامة لا تختلف عن أي سنة أخرى في مستوى الجد والاجتهاد المطلوب منه خلال عام كامل بحيث يدرس المواد الدراسية وسط التزام حقيقي بالمتابعة وعدم التفلت".
وتؤمن لينا بأن الإنسان يستطيع أن يحصل على المعدل الذي يريد، إضافة إلى جهد المعلمات في مدرسة "بشير الريس" التي درست فيها الطالبة المتفوقة، إلا أن للطالب دور أكبر في الاجتهاد وتنظيم الوقت.
روشتة نجاح
وعن روشتة النجاح تخبر: "لا بدّ من المراجعة اليومية والدراسة أولًا بأول، والابتعاد عن الضغوط وكل ما يشتت الجهد، خاصة الجانب النفسي والخوف الذي يؤثر كثيرًا على نفسية الطالب".
وتلقّت لينا دروسًا خصوصية في مادتيّ الرياضيات والفيزياء، خوفًا من أن يقابلها سؤال لم تتمرّن عليه أو يؤثّر على معدلها، "بفضل الله أنا مجتهدة في هذه المواد، ولكن حتى لا يكون عندي أي عائق أو صعوبة خلال فترة المراجعة والامتحانات".
وتؤكد أن المدرسة هي البيئة الأساسية لتعليم الطالب، وعليه ألا يعتمد على الدروس الخصوصية فما هي إلا "عامل مساعد إلى جانب حصص المدرسة".
وعن رأيها في المنهاج الدراسي، تجيب: "المناهج ليست بالصعوبة والتعجيز التي يتحدث عنها الطلاب، فقط يحتاج إلى تركيز واجتهاد دون مراكمة للدروس، غير أن ملاحظتي كانت على عدم وجود الأسئلة الكافية في الكتاب لنتمرّن عليها".
نهاية المطاف
وتهدي لينا نجاحها إلى والدها ووالدتها ومدرّسة الرياضيات في مدرسة بشير الريس هبة أبو موسى، وكل من ساندها وشجعها لتحصل على هذا الإنجاز، وإلى الوطن الحبيب فلسطين، وشهدائه وأسراه.
وتوجه رسالتها إلى الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح أو لم يحصلوا على المعدل الذي يريدون قائلةً: "الحياة مليئة بالفرص والمعدل لا يعني نهاية المطاف، فجدوا واجتهدوا والله لا يضيع تعب أحد".
لينا، الفتاة ذات الطموح الكبير والقلب النابض بالحماس والأمل، تعكف على بناء حلمها الأكبر، في أن تصبح طبيبة بشرية كوالدها "والدي الدكتور نعيم هو قدوتي وأكبر مصدر إلهام لي".
وتتابع: "أرى في الطب رسالة تجمع بين العلم والإنسانية، وأعلم أنّ درب الطب طويل ومليء بالتحديات والصعوبات، لكنني بإرادتي وعزيمتي سأتغلب بإذن الله على كل عقبة".
تقف والدتها وعيناها تتلألأ فرحاً إلى جانب لينا، تقبلها وتحتضنها قائلة: "لا أدري ماذا أفعل، سعادتي حقًا لا توصف وأنا أرى ابنتي البكر تحصد هذا المعدل".
وتؤكد أن فرحة النجاح بلسم يداوي كل الجراح، وفرحة كبيرة لا تضاهيها أي فرحة أخرى، متمنية أن تدخل قلب كل أم وأب.
الشعور ذاته ارتسم على وجه الوالد د. نعيم، الذي قال: "إنها فرحة لا تمحى ولا تنسى، وستبقى خالدة في قلوبنا إلى الأبد".