قائمة الموقع

د. حجوج يسجّل إنجازًا طبيًا في علاج نوع نادر من السرطان

2017-09-30T06:44:09+03:00
محمد حجوج (أرشيف)

لم تختلف يومًا إجابته عن غيره من الأطفال، فكانت إجاباتهم الطفولية البريئة عند سؤالهم "شو بدك تصير لما تكبر؟" تنحصر بين دكتور ومهندس وطيار أحيانًا، لكن على ما يبدو فإن ضيف صحيفة "فلسطين" رسخ حلمه في عقله وصدقه قلبه، وآمن بقدرته على تحقيقه، واجتهد بدراسته ومتابعة دروسه حتى الرمق الأخير، إلى جانب أنه لم يترك والده "الفلاح" وحيدًا بأرضه، بل كان إلى جانبه يساعده خاصة أنه الابن الأكبر في عائلته، إلى أن تمكن من الوصول إلى هدفه وتحقيق حلمه بدراسة الطب ليسجل علامة فارقة في علاج مرضى السرطان من خلال أبحاث ودراسات توصل لها في أوكرانيا.

فقد استطاع مؤخرًا في شهر أغسطس/ آب الماضي أن يسجل إنجازًا طبيًا دُون باسمه، وهو علاج نوع نادر من أمراض السرطان (ECCRINE ACROSPIROMA) بواسطة "الكيماوي"، حيث تم شفاء المريض تمامًا من المرض، واختفاء تام للورم من الرئتين والكبد، حيث لم تسجل حالة شفاء من قبل لهذا النوع من المرض، ليدخل الطبيب محمد حجوج بهذا الإنجاز التاريخ من أوسع أبوابه في عالم الطب في أوكرانيا.

حلم طفولي

محمد عيسى حجوج من بلدة بني نعيم قضاء مدينة الخليل، تنحدر أصوله لعائلة بسيطة، فوالده يعمل فلاحًا مزارعا في الأرض، ووالدته ربة بيت، هو الابن الأكبر لإخوته التسعة، لم يختر الطب من عبث، بل كان نابعا من قناعة يرافقها تفوق دراسي على مدار سنواته الدراسية، ليتوج ذلك بحصوله على معدل بتقدير "امتياز" في الثانوية العامة، "جاء اليوم الذي سأحقق فيه حلمي بدراسة الطب".

لم يختر دراسة الطب في الخارج طوعًا، وحبًا في الغربة، بل كان كرهًا، فهو يعلم أن نفسه قد لا تتحمل آلام الغربة وأوجاع البعد عن الأهل إلا "للشديد القوي" وهو تحقيق حلمه بالطب، وقال: "استقصيت في عدة جامعات فلسطينية حول الرسوم الجامعية، فجميعها مُكلف بلا استثناء، وبالتالي سأُحمل والدي عبئًا ماليًا لا يقوى على حمله"، ومن هنا بدأ البحث عن جامعة في الخارج ومعترف بها، لأنها ستكون الخيار الأوفر، فكانت أوكرانيا من الخيارات، وحصل على القبول الجامعي.

يكمل حجوج حديثه: "بدأتُ بدراسة الطب، وأنهيت دراسته بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وهو ما يسمى بـ"الدبلوم الأحمر"، ثم أكملتُ الماجستير في الأورام"، وبعد انتهائه تم تعيينه أستاذًا معيدًا في جامعة "دنيبروبتروفسك" في مجال الأورام، وطبيبًا ومستشارًا في مستشفى رقم 4 للأورام الخبيثة، رغم أنه لم ينه سنواته الدراسية وفق الطب الفلسطيني، ولكن حسب القانون التعليمي في أوكرانيا تمكن من العمل، ليمنح منحة لدراسة الدكتوراه، والآن على أعتاب إنهائها.

مشوار الإنجاز

تمكن خلال فترة عمله التي لم تتجاوز الأربعة أعوام أن يحقق إنجازات متتالية في مجال الأورام تُحسب لابن فلسطين، فنشر خمسة أبحاث مؤخرًا من أصل 37 بحثًا دوليًا منشورًا في مجلات أوروبية وأمريكية، و28 بحثًا علميًا منشورًا محليًا في أوكرانيا، وهي عبارة عن دراسات تسجل إنجازات طبية بحد ذاتها.

وأوضح حجوج أنه توصل لعلاج ورم خبيث لحالات نادرة من سرطان الشفة واللسان، عن طريق استخدام العلاج الكيماوي بعد أن تم دمج أربعة أنواع من الأدوية الكيماوية، وقد أصبح سرطان الثدي من السهل علاجه حاليًا من خلال البرتوكولات والأدوية، لا تصل تكلفته ٢٠٠ دولار، في حين أن التكلفة الفعلية للعلاج شهريًا بلغت ٣٠٠٠ دولار.

وتابع حديثه: "السر يكمن في أن الحاجة أم الاختراع، وخاصة أن العلاجات المستخدمة لم تعد بالفائدة على المريض، بل على العكس يتم فقده بعد فترة من إصابته، فكان لا بد من إيجاد حلول من شأنها أن تنقذ البشرية من هذا المرض القاتل، كما لم يأتِ ذلك من فراغ بل بناءً على تجربة عملية وفحوصات".

لم ينجذب يومًا د.حجوج نحو الألقاب والمسميات، كما أنها في الدول الأوروبية غير مستخدمة فطبيعة العمل والمهنة والحياة الاجتماعية معدومة هناك، فالحياة في أوكرانيا لا تتعدى معالمها عن الدوام الأكاديمي والمستشفى والمرضى، وفي نهاية اليوم بعد أن ينهكه التعب يعود إلى البيت.

وبين أن الحياة المهنية سرقته من الحياة والوطن، فله أكثر من 14 عامًا مغتربا، "فالعمل في مجال الطب لا تنتهي فيه الدراسة والأبحاث، والطبيب كل يوم بحاجة إلى اطلاع وبحث ومعرفة وتطوير ذاتي لمواكبة العصر، ومرضى السرطان بحاجة إلى عناية واهتمام، كما أن الطبيب يتأثر بالمريض يؤثر ذلك على حياته الشخصية والنفسية بشكل عام"، وفق قوله.

ولم يفكر يومًا بأن يتخصص في مجال الأورام والسرطان، فكان طموحه لما هو أصعب وأدق وهي جراحة الأوعية الدموية والقلب، ولكن من خلال دراستي للطب العام ومروره على قسم الأورام، رأى هناك حالات مرضية بحاجة لمن يضع البلسم على جراحهم، فارتأى التخصص به لمساعدة المرضى، وانتشار المرض.

ووصلت مكانته الدولية لدرجة إقبال الدول الأوروبية والأمريكية وبعض الدول العربية على دعوته للمشاركة في مؤتمرات طبية، وتقديم أوراق بحثية وعلمية كونه عضوًا في الاتحاد الأوروبي والأمريكي للأورام، إلى جانب 7 اتحادات دولية للأورام، فقد تمت دعوته للمشاركة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وهنغاريا، وغيرها.

وعند سؤاله عن العودة للوطن، قال د.حجوج: "هو حلم يراودني عليّ أن أسعى لتحقيقه لخدمة أبناء شعبي، وأن أتمكن من العمل والعودة لخدمة أبناء شعبي بكل ما أوتيتُ من علم ومعرفة"، ولكن حاليًا تكمن خدمة الوطن في تقديم الاستشارات الطبية لبعض المرضى، ليستفيدوا من علمه وخبراته، ورغم أنه يحمل الجنسية الأوكرانية وعقله يخدم هناك إلا أنه يشعر بأنه غريب هناك.

ديانته الإسلامية كانت لها بصمة في طريقة تعامله مع المرضى، فذلك ميزه عن باقي الأطباء الأجانب، فكونه مسلما فإنه يتعامل بدينه وخلقه مما عزز ثقة المرضى في الطبيب والتي هي نصف العلاج، لأن الدواء والإمكانات مع عدم ثقة المريض بالطبيب وعدم التواصل بطريقة إنسانية يؤثر بشكل كبير على صحة المريض كما أن الطبيب هو المنقذ.

وتابع د.حجوج حديثه: "فأي حالة مرضية بالنسبة لي هي بمثابة حرب يجب أن أفوز فيها، فخلال الأربع سنوات وممارستي كطبيب لم أخسر أي مريض يعاني من السرطان رغم أن الإمكانات الطبية والعلاج هي ذاتها الموجودة في فلسطين".

وأطمح أن أكمل مسيرتي في تسجيل إنجازات طبية تساعد الناس وتخفف آلام المرضى، والعمل على تحويل مرض السرطان من داء قاتل إلى آخر يمكن الشفاء منه، وأن يعود إلى بلاده ليخدم أهله وشعبه.

اخبار ذات صلة