إن قوة أي مجتمع تعتمد بالأساس على قوة العلاقة بين أفراد الأسرة داخله، لأنها صمام الأمان واللبنة التي تبنى عليها المجتمعات، حيث تتجلى قيم المودة المتبادلة والتراحم والتعاون سواء بين الزوجين أو الأبناء، مما يسهم في إنشاء مجتمع وجيل يتربى على القيم والأخلاق، في جو خالٍ من الشحناء والبغضاء؛ ولأن الأسرة الفلسطينية تستحق أن تصان، وتراعى، وتحفظ، كان لا بد أن يقوم القضاء الشرعي بدور الرعاية والوقاية والإرشاد والتوجيه، فالقضاء الشرعي الفلسطيني هو المرجع الوحيد للفصل في جميع الخصومات، وقطع المنازعات الخاصة بمسائل الأسرة الفلسطينية، لأجل ذلك أُنشئت المحاكم الشرعية، لتحقيق السلم الأهلي، والأمن المجتمعي، والذي ركيزته الإنسان الفلسطيني، من خلال حفظ الأسرة، والتي تعد خط الدفاع الأول في تربية ورعاية الجيل، فالإنسان الفلسطيني طفلًا أو رجلًا أو امرأة محط اهتمام القضاء الشرعي، والذي يهتم به قبل ولادته، وفي أثناء حياته، وحتى بعد وفاته، فالمحاكم الشرعية تنظم معاملات الزواج والطلاق والنفقات والحضانة والإرث والوصية والهبة والحجر ونحو ذلك، مما يتعلق بواجبات وحقوق الأسرة.
اقرأ أيضاً: القضاء الشرعي ميزان الحق وصمام الأمان للأسرة وللمجتمع
ونظام القضاء الشرعي الفلسطيني نظام إسلامي، يستمد أحكامه من الشرعية الإسلامية الغراء، خاصة من المذهب الحنفي، والمقنن في مجلة الأحكام العدلية.
ويعمل القضاء الشرعي على تطوير المنظومة القانونية في فلسطين، إذ أَقرَّ المجلس التشريعي الفلسطيني قانون التنفيذ الشرعي رقم 06/2021، وكذلك قانون أصول المحاكمات الشرعية بالقراءة الأولى، وكذلك وضع المجلس الأعلى للقضاء الشرعية مسودة قانون الأحوال الشخصية، وهذه القوانين المذكورة تواكب العصر والتطور والتجديد والانسجام مع مطالب المجتمع الحالية وظروفه، فتبدلت وتغيرت أحوال الناس والمجتمع من عصر إلى عصر، ومن زمن إلى زمن، بحيث تساهم هذه القوانين في تعزيز قيم التفاهم والمحبة والتعاون بين أفراد الأسرة، وتحقيق الوئام الأسري، وهذا يعكس إيجابيًّا على السلم الأهلي، ويرفع مستوى الأمان الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، يؤدي القضاء الشرعي دوراً مهماً في تعزيز نظام الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، ويرسخ مبدأ سيادة القانون وتطبيق مفهوم العدل الشامل، من خلال إقرار سلسلة من الإجراءات التي ترأب الصدع قبل مثول الخصوم أمام القضاة الشرعيين، ممثلة بدائرة الإرشاد والإصلاح الأسري، التي تقوم بدورها رغم قلة الكادر، وضعف الموارد، وتعتمد في تحقيق الأمن والاستقرار على منهجية شرعية ترتكز على الرفق والتيسير والعدل، فالدائرة تتعامل بحكمة في حل المنازعات والأزمات الاجتماعية والأسرية قبل عرضها على القضاء، وتقدم للزوجين النصح والإرشاد، وتساعدهما على التوصل إلى حلول عادلة ومرضية ووسطية، وكذلك تفعيل نظام التحكيم الشرعي، وغير ذلك.
لذا فإن القضاء الشرعي بالإضافة إلى دوره المميز في تعزيز السلم الأهلي والأمن المجتمعي، فإنه يسهم في تحقيق مصالح المجتمع ومناصرة الحق والدفاع عن الثوابت وتعزيزها، والعمل على تقوية الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي فهو مؤسسات تربوية، وعيادات اجتماعية، بالإضافة إلى كونه جهة قضائية، ويبقى أمام القضاء الشرعي تحديات عدة في الاستجابة للتحولات السريعة والتطورات المستجدة في قضايا المجتمعات المعاصرة، لذا ينبغي على القضاء الشرعي التحديث والتطوير والإبداع في العمل القضائي تماشياً مع المتطلبات الحديثة، وحرصاً على تحقيق النجاح المستدام في خدمة الإنسانية وضمان السلم والأمن للمجتمعات.