يتذكر أغلبنا العدوان على غزة سنة 2021، فهو لم يكن عدوانًا عاديًّا، بل مجزرة استعمل فيها جنود الاحتلال كل قوتهم برًّا وبحرًا وجوًّا على سكان القطاع المحاصر، معلنًا بداية نهج جديد في قواعد المعركة المتعارف عليها، فجيش الاحتلال قصف المباني الكبيرة والصغيرة والمتوسطة مسبقًا بصاروخ صغير يجبر ساكنيها على الرحيل، وأحيانًا دون هذه الصواريخ المسبقة، فيركض السكان حفاة صارخين من المنزل، وبعضهم لم تمهلهم القنابل الإسرائيلية وقتًا للرحيل، ودُفنوا تحت منازلهم، فقد فقدت عائلات أفرادها في كل مدن قطاع غزة، كما قصفوا شارع الوحدة، وهو أكثر شوارع قطاع غزة حيوية وفي عصب المدينة، في ليلة السادس عشر من مايو 2021 دون سابق إنذار، وكان العدد الإجمالي للضحايا ذلك اليوم 42 مدنيًّا، بينهم 16 امرأة، و10 أطفال.
قد يتساءل البعض عن سبب استذكارنا لهذا العدوان اليوم وبعد مرور سنتين عليه، الإجابة وببساطة أن جرائم الاحتلال لم تختلف منذ ذلك الوقت لكن بيان جيش الاحتلال على أنه “عاقب” خمسة ضباط، لكنه لم يوجه اتهامات جنائية لأفعالهم خلال عدوان 2021 الدامي على قطاع غزة المحاصر، أعاد بنا إلى العدوان الذي تسبب في استشهاد 248 فلسطينيًّا، بينهم 66 طفلًا و39 امرأة، أما عدد الجرحى فقد تعدى 1948 جريحًا.
لم نتفاجأ بإعلان جيش الاحتلال، فلطالما أثبت لنا أنه مكرس لنظام غاشم مفتوح على كل الاحتمالات الواردة دون حسيب أو رقيب، كيف لا وهو من أباح استخدام القوة ضد الفلسطينيين، حين قابل جرائم ضباطه بتوبيخ دون توجيه اتهامات مباشرة لضابطين ضربا هدفًا في نطاق غير مصرح به، وتلقى أحدهما تحذيرًا “بالإهمال بسبب تجريم هدف في انتهاك للإجراء الإلزامي”، وتم توبيخ آخر بسبب “عدم وجود سيطرة كافية في خلية وحدة الضربة” ، وآخر ضابط أخطأ في “إجراء الاستهداف”، وهو دليل إضافي على افتقار النظام القضائي الإسرائيلي للمصداقية، في الوقت الذي تستخدم فيه (إسرائيل) قضاءها لإضفاء غطاء قانوني على سياسة الإفلات من العقاب.
اقرأ أيضًا: من غزة إلى جنين.. صواريخ المقاومة تعادل الكفة
اقرأ أيضًا: ضمير غائب تجاه غزة وحاضر في جنين
ليس من الغريب أن تتستر (إسرائيل) على مثل هذه الجرائم التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، بالنظر إلى أن الهجمات “لم يكن لها أهداف عسكرية واضحة” وأسفرت عن استشهاد العشرات من المدنيين، وبعيدًا عن العدوان على غزة فقد تسببت هذه العقلية في استفحال جرائم الاعتداء والانتهاك داخل صفوف جيش الاحتلال، فقبل أسبوعين أعلن جيش الاحتلال أن الجنود الذين تركوا رجلاً فلسطينيًّا أمريكيًّا ليموت بعد اعتقاله، لن يحاكموا جنائيًّا، لكنهم سيواجهون إجراءات تأديبية.
تفاصيل الحادثة بدأت حين اعتقلت القوات الإسرائيلية العجوز عمر أسعد (78 عامًا) على حاجز مؤقت في بلدته جلجيليا بالضفة الغربية المحتلة في يناير الماضي، غير أنهم تركوه مستلقيًا وغير مستجيب في موقع بناء، قائلين إنهم افترضوا أنه نام، ليتم العثور عليه لاحقًا شهيدًا في الصباح الباكر وربطة عنق بلاستيكية لا تزال حول معصمه، في واحدة من مشاهد انعدام الإنسانية تجاه كل ما هو فلسطيني، فمنذ سنوات طويلة و(إسرائيل) ترتكب جرائم القتل العمد ضد المدنيين العزل والصحفيين، وهنا دعونا نتساءل عن استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة بدم بارد على يد أحد جنود الاحتلال، وغيرها من الصحفيين وعدم الاعتراف بقتلها على الرغم من أنها تحمل الجنسية الأمريكية، إلا أنها تلعب في التحقيقات على الوقت، مستخدمة أساليب الكذب والغش والخداع والمراوغة لطمس جريمتها والإفلات من العقاب.
الأمثلة كثيرة ويطول شرحها، لكن جميعها تصب في خانة واحدة، وهي أن الشعب الفلسطيني يعاني احتلال تقوده حكومة متطرفة كرست جميع إمكانياتها لتنغيص حياتهم، كيف لا وهي لا تحترم القانون الدولي الإنساني، وتضرب عرض الحائط بكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بشأن فلسطين والشعب الفلسطيني، وما حدث في العدوان على غزة 2021 ما هو إلا جزء بسيط عما يحدث يوميًّا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، اليوم ومع كل الشعارات التي تتغنى بها أمريكا الداعية إلى "السلام والتعايش"، لابد من أن تدرك هذه الأخيرة أنه لا استقرار ولا سلام في الشرق الأوسط من دون حل للمسألة الفلسطينية.