لم تكن بعيدة الفترة الزمنية التي فصلت بين دعوة أبو مازن لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وبين قرارات المجلس الوزاري المصغر للاحتلال الذي أقر فيه جملة من التسهيلات للسلطة الفلسطينية وأوقفها على شرط التزام السلطة بوقف سياساتها ضد "إسرائيل" أمام المحافل الدولية، ووقف صرف مخصصات الشهداء والجرحى والأسرى.
دعوة الأمناء العامين للفصائل لم تكن على جدول أعمال أبو مازن؛ فلم يكن الرجل مكترثًا البتة بجمع كلمة الشعب الفلسطيني من خلال الأمناء العامين، بل كان يفضل العمل منفردًا كما هو الحال منذ العام 2005م، بالرغم من كل المناشدات والمطالبات الشعبية والفصائلية لأبو مازن بوقف سياسة التفرد بالقرار، وإشراك الشعب الفلسطيني ممثلًا بفصائله، ولا سيما تلك الفصائل الفاعلة على الساحة الفلسطينية في اتخاذ القرار، والكف عن ممارسة القيادة المنفردة من خلال إطار شكلي لا قيمة له يسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير-حتى ذلك الهيكل المتداعي همشه أبو مازن وجعله مجرد هيئة استشارية ليس لها سلطة اتخاذ القرار-.
بل إن القرارات التي اتخذها المجلس الوطني الفلسطيني ممثلًا بالمجلس المركزي لمنظمة التحرير، وهو أعلى هيئة قيادية للشعب الفلسطيني قد ضُربت في عرض الحائط، ولم ينفذ أي قرار منها، على كل الأحوال فإن دعوة أبو مازن لاجتماع الأمناء العامين للفصائل جاءت عقب اقتحام العدو لمخيم جنين وتصدي المقاومة بكل بسالة لهذا الاقتحام ولإفشاله؛ الأمر الذي أظهر العجز التام للسلطة عن القيام بأي دور لها في حماية المخيم، وأظهرها بمظهر العاجز الذي لا يملك إلا أن يكون وكيلًا أمنيًا للاحتلال، وهذا بالمناسبة ما صرح به غير مرة قادة العدو؛ الأمر الذي استشعرت معه قيادة السلطة خطر تفلت قبضتها على الضفة الغربية بعد أن كفر بها وبدورها المواطن الفلسطيني، وهو ما عبر عنه أبناء مخيم جنين بطرد ممثلي حركة فتح والسلطة الفلسطينية من المخيم، ورشق مقر المقاطعة في محافظة جنين بالحجارة.
اقرأ أيضًا: بأس جنين.. وتآكل سلطة رام الله
اقرأ أيضًا: انتصار مخيم جنين مرة أخرى
بالعودة قليلًا إلى الوراء، وتحديدًا في 3-9-2020م، وهو تاريخ انعقاد الاجتماع الأول للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بين رام الله وبيروت، إذ حضر الاجتماع ممثلون عن 14 فصيلًا فلسطينيًا بينهم رئيس حركة حماس السيد/ إسماعيل هنية ورئيس حركة الجهاد الإسلامي السيد/ زياد النخالة، وربما كان هذا الاجتماع الأول الذي جمع كل الفصائل الفلسطينية، سواءٌ تلك المنضوية تحت لواء منظمة التحرير أو تلك التي ما زالت خارجها، وبما تمثله حركتا حماس والجهاد الإسلامي من ثقل في الساحة الفلسطينية، وقد ترأس الاجتماع أبو مازن شخصيًّا، وكان من أبرز قرارات هذا الاجتماع ما يلي:
أدان البيان الختامي للاجتماع "المؤامرات والمخططات التي تقوم بها حكومة الاحتلال وإدارة ترامب، عبر "صفقة القرن" ومخططات الضم، وتمرير التطبيع المجاني.
أكد البيان الختامي التمسك بهدف إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، وأن لا دولة في غزة ولا دولة من دونها، وحل قضية عودة اللاجئين على أساس القرار 194.
توافق المجتمعون على ضرورة التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة وقانون واحد، على قاعدة التعددية السياسية والفكرية، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل.
شدد البيان الختامي على أن تحقيق الأهداف الإستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، يستوجب إنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة، وتجسيد مبدأ الشراكة الوطنية الفلسطينية.
تقرر تشكيل لجنة تضم شخصيات وطنية وازنة تقدم رؤية إستراتيجية لإنهاء الانقسام، والشراكة في ظل منظمة التحرير الفلسطينية، لكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، على أن تقدم توصياتها للجلسة القادمة للمجلس المركزي الفلسطيني.
ناقش المجتمعون قواعد الاشتباك مع الاحتلال، بما في ذلك تفعيل العاملَيْن الإقليمي والدولي، وأكدوا حق الشعب الفلسطيني في ممارسة جميع أساليب النضال المشروعة، وتوافقوا على تفعيل وتطوير المقاومة الشعبية الشاملة بصفتها "خيارًا أنسب للمرحلة".
اتفق المجتمعون على تشكيل "قيادة وطنية موحدة تقود فعاليات المقاومة الشعبية الشاملة"، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها جميع المستلزمات لاستمراريتها.
إلا أن تلك المقررات لم ترَ النور أبدًا بعد التنصل منها تمامًا، وذلك بمجرد أن حدث تواصل بين الاحتلال وحسين الشيخ الذي يرأس وزارة الشؤون المدنية المختصة بالتواصل مع الاحتلال، وأبدى الاحتلال له استعداده لتقديم بعض التسهيلات للسلطة الفلسطينية.
بعد مرور ثلاثة أعوام على الاجتماع الأول الذي لم تتحقق أي من مقرراته، تأتي دعوة أبو مازن لاجتماع آخر، ولكن هذه المرة سبقت تسهيلات العدو المشروطة الاجتماع ليطرح السؤال المشروع: ما الضامن لتنفيذ مقررات الاجتماع المزمع عقده طالما لم تنفذ مقررات الاجتماع السابق بعد؟ وما دام توجه أبو مازن لا يزال مائلًا إلى الإصرار على مد جسور التواصل مع الاحتلال بأي ثمن وقطع جسور التواصل مع فصائل العمل الوطني تحت ذرائع واهية؟
وهل يمكن لاجتماع الأمناء العامين القادم أن يفضي إلى انتخابات فلسطينية رئاسية برلمانية عامة كحق معطل بقرار من أبو مازن للشعب الفلسطيني؟ علمًا أن ساعة كتابة هذا المقال كان هناك حديثٌ يُبثّ عبر قناة الجزيرة للسيد/ محمد اشتية رئيس الوزراء قال فيه بصراحة: إن "إسرائيل" تضع فيتو على الانتخابات الفلسطينية، لرفضها إجراء الانتخابات في القدس.
من الجيد أن يعقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل، ولكن يجب أن يحاط هذا الاجتماع بضمانات كافية لتنفيذ مقرراته حتى يصبح لهذا الاجتماع قيمة في نظر الشارع الفلسطيني الذي لم يعد قادرًا على استيعاب أو تحمل المزيد من الاجتماعات الفارغة.