نعم، وهذا ما كشفت عنه تحركات السلطة الفلسطينية نفسها، على الأرض، وكلها تشير إلى التواصل مع جهاز الشاباك الإسرائيلي، وأنها وافقت مسبقًا على الشروط الإسرائيلية لتعزيز مكانتها في الضفة الغربية، لذلك بادرت السلطة الفلسطينية، واتخذت سلسلة من الخطوات الميدانية، التي شجعت الوزراء الداعمين لفكرة تعزيز مكانة السلطة، وضيقت الخناق على الوزير بن غفير/ المعترض الوحيد على قرار المجلس الوزاري المصغر.
فما هي الخطوات العملية التي استبقت بها السلطة الفلسطينية اجتماع المجلس الوزاري المصغر؟
1ـ أرسلت السلطة تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مدينة جنين، تحت ذريعة تأمين سفراء الاتحاد الأوروبي، الذين قاموا بزيارة لمخيم جنين.
أقرأ أيضًا: ما من صيغة سياسية صهيونية يمكن أن تفيد الفلسطينيين
اقرأ أيضًا: نتنياهو وقمع "طموح" منظمة التحرير
2ـ قيام السلطة بسلسلة من الاعتقالات لشباب حركتي حماس والجهاد الإسلامي في شمال الضفة الغربية، وفي مدينة رام الله نفسها، دون مراعاة لحرمة المحررين، أو المبعدين في مرج الزهور.
3ـ قدمت السلطة 110 دولار شهرياً، كرشوة مالية لضباط وجنود الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك لتشجيعهم على تنفيذ الأوامر والتعليمات التي تتعارض مع انتمائهم الوطني، ولعدم تعاطفهم مع رجال المقاومة.
4 ـ دعوة رئيس السلطة محمود عباس الأمناء العامين للفصائل إلى لقاء القاهرة، في نهاية تموز الحالي، ومضمون هذه الدعوة، ونتائجها، لا تختلف كثيراً عن مضمون الدعوة التي وجهها محمود عباس إلى الأمناء العامين سنة 2005، والتي تم بموجبها إخماد جذوة انتفاضة الأقصى، مقابل الانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاستيطان، وقيام الدولة، وإصلاح منظمة منظمة التحرير، وإجراء الانتخابات التشريعية.
الخطوات آنفة الذكر التي بادرت إليها قيادة السلطة الفلسطينية، تهدف إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية بالتدريج، وعن طريق التحايل، والتسلل من وراء ظهر المقاومين، وكل ذلك تم بعلم وتنسيق مع جهاز الشاباك الإسرائيلي، الذي أدرك بعد معركة جنين، أن الحل الوحيد لتصفية المقاومة هو تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، وهذا يعتبر إقراراً رسمياً من الحكومة الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي عاجز عن تصفية المقاومة، وأن كفاءة جهاز الشاباك الإسرائيلي غير قادرة على كشف مخططات المقاومة، وأن السلطة الفلسطينية هي الأقدر على حفظ أمن المستوطنين الصهاينة.
قرار المجلس الوزاري المصغر الذي وضع شرط عدم انهيار السلطة الفلسطينية مقابل اتخاذ الأخيرة خطوات لوقف أنشطتها ضد إسرائيل في الساحة الدولية والقانونية، ووقف التحريض ودفع رواتب لعوائل منفذي الهجمات، هذا الشرط جاء لإرضاء المعارضين للقرار، وللضغط على السلطة الفلسطينية للقيام بالمزيد من الخطوات الميدانية، والإجراءات العملية لذبح الانتفاضة، بما في ذلك، فتح باب التجنيد للأجهزة الأمنية، مع تفريغ عشرات آلاف الشباب من منطقة نابلس وجنين على كادر الأجهزة الأمنية، وشراء سلاح المقاومة بأسعار خيالية، والحصول على عفو ومسامحة من جهاز المخابرات الإسرائيلية، لمن يسلم نفسه للسلطة الفلسطينية، وهذا النهج الذي لجأت إليه السلطة سنة 2005.
الجنرال الأمريكي فنزل، جاهز سنة 2023 لاستكمال المهمة التي بدأها سلفة دايتون سنة 2005، والأجهزة الأمنية الفلسطينية صاحبة تجربة ناجحة في الالتفاف على الثورات الفلسطينية، ليبقى الموقف الفصل في هذه المرحلة بيد الفصائل الفلسطينية، التي تمت دعوتها إلى لقاء القاهرة، فهل ستقع فريسة بين فكي محمود عباس من جهة، والمخابرات الإسرائيلية من الجهة الأخرى، أم ستكون حذره في هذه المرة، ولا تلدغ من الجحر نفسه مرتين.