شكّلت معركة "العصف المأكول" التي اندلعت في السبع من يوليو/ تموز 2014، مرحلة حاسمة في الصراع المستمر بين المقاومة الفلسطينية، وقوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد أحدثت تلك المعركة بحسب محللين سياسيين تغييرًا جوهريًّا في قواعد الاشتباك، ولا تزال آثارها حاضرة في ذهن وإستراتيجية قادة أمن الاحتلال حتى اليوم.
خلال مدة استمرت 51 يومًا، نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام الجناح العسكري، في إدارة المعركة بنجاح، ونفذت إستراتيجيات عسكرية مبتكرة، أسفرت عن ضربات مؤثرة ضد مواقع إستراتيجية حيوية في كيان الاحتلال، بما في ذلك مطار بن غوريون.
وتحل الذكرى التاسعة لمعركة "العصف المأكول" في هذا العام، تزامنًا مع الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية على الاحتلال في مخيم جنين.
اقرأ أيضاً: حماس: معركة العصف المأكول مثلت صفحة ناصعة من صفحات المجد والانتصار
ومنذ انتهاء معركة "العصف المأكول"، تحققت نجاحات مهمة للمقاومة الفلسطينية في إفشال أهداف الاحتلال الرئيسة، فقد تمكنت من الصمود والبقاء على الرغم من الاعتداءات العسكرية الشرسة التي تعرضت لها في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، وفق المحللين.
نقطة تحول
يقول الكاتب والمحلل السياسي د. ناجي الظاظا إن معركة "العصف المأكول" كانت نقطة تحول في إستراتيجية المقاومة الفلسطينية، إذ نجحت في كسر عقيدة جيش الاحتلال التي كانت تعتمد على المبادرة في المعارك، وبحسب الظاظا، كان الاحتلال يعتمد على ضربة البداية لتحقيق النتائج الأكبر وفقًا للقواعد العسكرية.
ويوضح الظاظا لصحيفة "فلسطين"، أن المقاومة نجحت في كسر هذه العقيدة، والتفوق في "العصف المأكول"، وتمكنت من اتخاذ المبادرة في كسر البعد الزماني الذي كان يسود في المعارك السابقة.
ويشير إلى أن مدة المعركة التي استمرت 51 يومًا، وتحميلها المجتمع الإسرائيلي أعباء كبيرة، جعلت جيش الاحتلال غير قادر على التفكير في معارك طويلة.
وينبه إل أنى معركة "سيف القدس" التي جرت في مايو/ أيار 2021، واستمرت 21 يومًا فقط، والعدوان على جنين الذي استمر 48 ساعة، تعدان مثالًا على عدم قدرة جيش الاحتلال على التعامل مع معارك طويلة نظرًا للأعباء التي تفرضها عليه.
وفقًا لتصريحات الظاظا، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على "الحرب الخاطفة" كإستراتيجية في المعارك السابقة، ولكن في معركة "العصف المأكول"، تمكنت المقاومة من كسر هذه الإستراتيجية، وتدفيع قادة الاحتلال ثمنًا مرتفعًا، وأصبحت المقاومة تشكل تهديدًا حقيقيًّا حتى اليوم.
ويضيف أن معركة "سيف القدس" كانت نتيجة لمعركة "العصف المأكول"، فالمقاومة هي التي اتخذت المبادرة بضرب دولة الاحتلال؛ دفاعًا عن المسجد الأقصى، وبناءً على ذلك، أصبح خيار المعركة البرية غير ممكن لجيش الاحتلال.
ويشدد على أن المقاومة عززت فكرة الأنفاق الهجومية والدفاعية، ما دفع جيش الاحتلال لبناء جدار أمني على الحدود المحيطة بقطاع غزة، لحماية نفسه من قدرات المقاومة المتنامية.
وفقًا للظاظا، أكد أن معركة جنين الأخيرة أظهرت أهمية تطوير القدرات القتالية والفنية للمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وأشار إلى أن تحقيق تطور في القدرات يلعب دورًا مهمًا في تحقيق النجاح والصمود في المعارك.
ويوضح أن قدرات المقاومة الفلسطينية تشهد تطورًا كبيرًا، في ظل غياب الدعم الخارجي المرتبط بالعقوبات العربية والإسلامية، مثل القدرات السيبرانية، وبفضل هذا الدعم، تستطيع المقاومة توسيع نطاق نشاطها وتحركاتها، وأن تكون أكثر انتشارًا وتواجدًا في مناطق أخرى.
قوة وشجاعة المقاومة
في سياق متصل، يشير الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح إلى أن المقاومة الفلسطينية قد أحدثت تحولًا هامًا، وحققت إنجازات ملموسة في مواجهة الاحتلال، وتجلى ذلك في معركتي "العصف المأكول" و"سيف القدس".
ويوضح الصباح لصحيفة "فلسطين"، أن تلك المعارك قد غيّرت المشهد كاملًا فيما يتعلق بالتوازن والردع، إذ كان الاحتلال يعتبر نفسه القوة السائدة، وتمكنت المقاومة من تصحيح تلك الصورة وقلب الموازين بشكل نهائي، عادًّا تلك المعارك "بداية موجة من الانتصارات".
اقرأ أيضاً: في ذكرى العصف المأكول.. هكذا فاجأت المقاومة (إسرائيل)
وربط الصباح بين نتائج معركة "العصف المأكول" ومعركة جنين الأخيرة، حيث كان الاحتلال يخطط لها منذ فترة طويلة بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف استئصال المقاومة في جنين، ولكنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف بفضل قوة وشجاعة رجال المقاومة.
ويشير إلى أن الاحتلال قد استعان بآلاف الجنود والجرافات والطائرات المسيرة والمروحيات خلال اقتحامه لمدينة جنين؛ بهدف تحقيق أهدافه المعلنة، ولكنه لم ينجح في ذلك بسبب قوة المقاومة ووحدتها.
وينبه الصباح إلى أن هناك أهدافًا غير معلنة للاحتلال في العدوان على جنين، مثل: تحقيق الهدوء داخل حكومته، وتوفير الأمن للمجتمع الإسرائيلي، ولكن هذه الأهداف لم تتحقق. واستدل بذلك بالعملية البطولية في "تل أبيب" التي نفذها شاب فلسطيني من الخليل في أثناء اقتحام جنين، والتي ألحقت خسائر كبيرة بالاحتلال.
ويؤكد أن الجبهة الأكثر خطورة على الاحتلال هي القدس والضفة الغربية والداخل المحتل، وتُعرف بـ "جبهة اللا متوقع"، وهذا يربك حسابات حكومة الاحتلال، وأكد أن غزة تشكل مصدرًا للقوة الحقيقية للمقاومة، وتعزز العمل المقاوم في الضفة الغربية.
وبحسب الصباح، فإن الاحتلال يواجه أزمة حقيقية لأنه لا يمتلك سيناريوهات جديدة للتعامل مع المقاومة، ومن المتوقع أن يلجأ مرة أخرى إلى الاستهدافات بواسطة الطائرات المسيرة وغيرها.
يجدر الإشارة إلى أن معركة "العصف المأكول" أسفرت عن استشهاد 2174 فلسطينيًّا وإصابة 10870 آخرين، بينما قتل 70 إسرائيليًّا وأصيب 720 آخرون بجروح متفاوتة.