يحاول الفنان المقدسي عزام أبو السعود إحياء فن الأرابيسك لنوافذ وبيوت البلدة العتيقة وشوارعها، ليُبقي المظهر العربي الإسلامي الذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تهويده في المدينة.
وفي داخل متحفه الذي يعرض فيه أعماله يدرب أبو السعود (73 عامًا) عددًا من الشباب الشغوف بتعلم فن الأرابيسك، الذي يعد فنًا تشكيليًا على الخشب يعتمد على أشكال هندسية معقّدة ودقيقة تُصنع بطريقة الحفر والنقش والتطعيم، ومن ثم يدهن بالورنيش وبمواد أخرى لامعة لها ملمس زجاجي لامع، يساعد على إظهار جمال ألياف الخشب، ولهذا فإن "الأرابيسك" يعد صناعة وفنًا معًا.
وبالرغم من أن أبو السعود تعلم فن الأرابيسك وهو في سن الثانية عشرة، إلا أنه يصر على أنه مجرد هاوٍ لهذا الفن وليس محترفًا، إذ يقول لـ"فلسطين": "هو مجرد هواية قديمة بدأت حينما انجذبت للزخارف الموجودة في حرم الأقصى، وأحببت تعلمها".
ويضيف: "كان خالي يعمل بالحفر على الخشب ما قبل عام 1967، وأنا تعلمت منه ذلك عندما كان عمري 12 عامًا، في ذلك الوقت رُمم مسجد قبة الصخرة المشرفة، وجاء فنانون من إيطاليا لترميم شبابيك المسجد".
ويتابع أبو السعود: "كنت دائم اللهو في المسجد الأقصى مع أصدقائي الأطفال، وفي حينه كنت أنظر منبهرًا بهذا الجمال وإلى العمل الذي يقوم به النقاشون، ومن ثم عملت معهم بالحفر على الجبس فتعلقت بهذه الحرفة وأحببتها".
ويشير إلى أنه بسبب التعليم والعمل، لم يمارس هذا الفن إلا حينما وصل إلى سن التقاعد قبل عشرة أعوام، إذ رغب بتجديد هوايته، فعاد إلى الأرابيسك تزامنًا مع استمراره بالكتابة في الصحف المحلية وكتابة الروايات، وللمسرح إذ ألَّف مجموعة من الروايات التي مصدرها التاريخ الشفوي لمدينة القدس.
وأبو السعود، عمل لسنوات طويلة مديرًا للغرفة التجارية في القدس، وهو خبير بتاريخ المدينة ما ساعده على محاكاة هذا التاريخ عبر لوحات فنية.
فن إسلامي مسيحي
ويعرف فن الأرابيسك بأن فن الزخرفة بنماذج من الطبيعة وأشكال هندسية متداخلة ومعقدة، وهو أحد عناصر الفن الإسلامي القديم، ورمز للعمارة الإسلامية والمسيحية، إذ كان يُزيّن جدران وأعمدة المساجد والقصور والكنائس أيام الدولة العثمانية، ثم انتشر في بعض الدول الأخرى، لكنه بقي يعبّر عن الهوية العربية الإسلامية الخالصة، وازدهر في سوريا ومصر.
ويلفت أبو السعود إلى أن الأرابيسك هو فن عربي بدأ منذ العصر الأموي وتطور عبر العصور، مبينًا أن هذا الفن يجمع ما بين الخشب المحفور، والزجاج الملون والمعدن والرسومات الهندسية الجميلة، لعمل لوحات تزين شبابيك المنازل والأماكن الدينية المساجد والكنائس إضافة إلى المؤسسات.
وينبه إلى أن الأرابيسك كان منتشرًا في منازل المدن العربية القديمة مثل حلب ودمشق والقدس والقاهرة ومدن المغرب العربي، يزين نوافذ المنازل وشرفاتها وتمثل المشربيات جزءًا هامًا منها.
وما تزال العديد من المساجد والكنائس في شرقي القدس تستخدم هذا الفن في تزيين شبابيكها معتمدة على انعكاس أشعة الشمس عليها لإضفاء جمالية كبيرة عليها.
وما تزال المشربيات بتصاميمها وألوان زجاجها تبهر الناظر إليها من الخارج، وتضفي مع أشعة الشمس المنعكسة عليها أجواء جمالية في داخل المنازل نفسها.
ويلفت أبو السعود إلى أن التداخل الإسلامي المسيحي في القدس، "حتى في الزخارف، ونعرف أنه في عام 1922-1924 بنيت كنيسة الجثمانية في القدس وتسمى كنيسة كل الأمم لأنه تشاركت دول عديدة في بنائها وجلبوا لها فنانين من كل أنحاء أوروبا".
ولم يكتفِ الفنان السبعيني بتعلم الفن يدويًا، بل طالع الكثير من الكتب التي تتناول فن الأرابيسك، وزار الكثير من الدول للتعرف أكثر على هذا الفن مثل الأندلس ومصر والمغرب وتركيا إذ اطلع على التطوير الذي قام به الأتراك في حقبة الحكم العثماني لمدينة القدس، بما في ذلك قبة الصخرة والمساجد الأخرى.
اهتمام خاص
وبحسب أبو السعود فإن مدينة القدس اشتهرت بهذا الفن لاهتمام الأمويين بالمدينة، ولوجود المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولكونها مدينة دينية إسلامية ومسيحية، وتطور بها كما تطور في المدن العربية المحيطة عبر العصور.
ويشدد على أن مصلى قبة الصخرة بالمسجد الأقصى هو أعظم أثر موجود في العالم لفن الزخارف العربية، وهو التعريف الصحيح لكلمة أرابيسك، فما نراه في قبة الصخرة من الخارج خصوصًا في المداميك العليا وآيات القرآن الكريم هي ترميم عثماني إذ استبدلت الفسيفساء التالفة بالقيشاني الموجود حاليًا.
وعن سبب تراجع اهتمام السكان بهذا الفن، يرجع أبو السعود السبب إلى الزلازل المدمرة التي أضرت بنوافذ ومشربيات القدس، ولم يبقَ منها قائمة إلا زخارف الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، والكنائس الأخرى، لافتًا إلى أن السكان لم يستطيعوا ترميم نوافذهم ومشربياتهم في بيوتهم بسبب الفقر.
ويحلم أبو السعود بورشته التدريبية بأن يعيد إحياء الأعمال الزخرفية الإسلامية التي طورها وتجديد الطابع العربي للمدينة كجزء من مقاومة التهويد، وذلك بنشر النوافذ والمشربيات في أزقة البلدة القديمة وشوارعها.