تعد أكلة "الكرش والفوارغ" من الأطباق الغريبة للعديد من الأشخاص إلا أنه تحظى بشعبية عربية كبيرة، حيث تعد ملكة المائدة في بعض المجتمعات لا سيما في المناسبات كعيد الأضحى المبارك. وتختلف مسميات هذه الأكلة من دولة إلى أخرى، ففي مصر تعرف باسم "الكوارع والممبار"، أما في الأردن وفلسطين فتعرف باسم "الكرشات والفوارغ"، وفي سوريا تسمى "القبوات والمقادم"، كما لها اسم مختلف في العراق والكويت ويعرف بـ"الباجة"، بينما في ليبيا يُطلق عليه اسم "العصبان".
و"الكرشة" هي أحشاء الذبيحة، وتعد جزءًا من معدة بهائم الأنعام التي أحل أكلها. ولتجهيز هذه الوجبة اللذيذة يتوجب لتحضيرها الدخول في كفاح طويل لتنظيفها وغليها، بحيث تظهر بالشكل الشهير، كما في الأكشاك ومحلات الجزارين.
أصل الكرشات
فما قصة هذا الطبق؟، تبين الشيف خيرية المصري أن المصريين هم أول من عرف هذه الأكلة، فقد كانت ولا تزال جزءًا من ثقافتهم وسياحتهم، فلديهم مطاعم خاصة تقدم وصفة إعدادها بجدارة، كما أن أهل ليبيا والجزائر يشتهرون بإعدادها وكذلك الفلسطينيون، مشيرة إلى أن لدى روسيا والدول الاسكندنافية أسواقًا خاصة لبيع الكرش والفوارغ.
ويذكر البعض أن أصول هذا الطبق تعود إلى المطبخ العثماني، حيث كان يُعد الطبق الرئيس للملوك، ويتم تقديمه على موائد السلاطين تحت اسم "الأكارع"، ومع مرور الوقت انتقلت هذه الوصفة من قلب الدولة العثمانية إلى بلاد الشام ومصر والعراق، حيث أصبحت "وجبة الفقراء" بسبب تكلفتها المنخفضة مقارنة بأطباق اللحوم الأخرى.
وتقول المصري إن تاريخ هذا الطبق المعروف بأسماء مختلفة في المطابخ العربية يعكس التنوع الثقافي والتاريخي للمنطقة، على الرغم من أنها تعتبر غريبة أو غير مقبولة بالنسبة لبعض الأشخاص، إلا أنها تعد جزءًا مهمًا من تراث المطبخ العربي، الذي يتميز بتنوعه وغناه بالمأكولات التقليدية.
وتوضح أن إعداد هذه الأكلة فيه محافظة على التراث الغذائي، ويعطي للأجيال فرصة للتعرف على بعض الأطباق القديمة والتاريخية، كما أنها تعزز التواصل الاجتماعي والترابط الثقافي، فمثل هذه المأكولات التقليدية تجمع الناس لتناولها.
طرق إعدادها
وتتنوع طرائق طبخ "الكرشة" من بلد إلى آخر، فتطبخ الكرشات في الأردن ومصر مع صلصة الطماطم وتسمى حساء الكوارع، فيما يتفنن الليبيون بإعداد طبقهم التقليدي حساء الفاصوليا بالكرشة، أما في تركيا فتسمى (تيزلاما)، وهي مزيج روماني وتركي.
أما فلسطينيًا، فلها طرق مختلفة في إعدادها، فالبعض يفضلها مسلوقة بالمرق، ومنهم من يقوم بقليها أو شويها بعد إضافة بعض البهارات والتوابل عليها، وأهل الضفة الغربية يطهوها بلبن الجبجب، لكن الثابت أن معظم المناطق تحشوها بالأرز، كما تبين الشيف المصري.
وتضيف: "عند تقديم هذه الوجبة يتم إعداد صينية حلويات العيد الدسمة، والتي تتكون من الكرش والفوارغ ولحمة الرأس وأرجل الأضحية، فيوضع خبز الصاج المسقى بالمرق وتعلوه طبقة من الأرز، ويوسط الصينية رأس الخروف، وتوزع قطع اللحم والكرش والفوارغ، ويتم تزيينها بشرائح من الليمون والبقدونس واللوز والكاجو".
وتشير إلى أن البعض ولحرصهم في المحافظة على صحتهم، يقومون بحشو الكرش والفوارغ بالبرغل أو الفريكة بدلًا من الأرز، لكونه غنيًّا بالألياف التي تعين على ضبط مستوى السكر بالدم، والعديد من الفوائد الصحية الأخرى.
وتذكر بأن الحشوة الكرش أيضًا تختلف من منطقة لأخرى، فأهل الضفة يضيفون إلى الأرز اللحم المفروم والصنوبر والسمن البلدي، بينما أهل غزة فيضعون مع الأرز الحمص والبصل والبقدونس.
وتلفت المصري إلى أن أولى خطوات إعدادها تتم بتنظيفها الجيد وفق الطريقة التي عرفت من الجدات، عن طريق التسخين الجيد للماء بالقدر المحتمل ووضعها به بعد تنظيفها بشكل أولي، ومن ثم يتم جردها بالسكين، بينما الطرق التي تشاع على الانترنت فإنها تؤثر على طعمها، وأثناء تنظيفها يتم إزالة طبقة من الدهن، ثم يتم غسلها جيدًا ونقعها لمدة نصف ساعة بالخل والليمون والملح.
وتقطع الكرشة إلى أجزاء صغيرة الشكل، وتخيّط من ثلاثة جوانب، ويتم نقع الأرز وتصفيته من الماء ويضاف إليه الملح والهيل، والفلفل الأسمر، والبهار البني، ويضاف اللحم المفروم وبعض المكسرات ويتم حشوها من الجانب المفتوح، وتخيط بعد إتمام الحشو، وتوضع في وعاء على النار وتترك لعدة ساعات حتى تنضج وتصبح جاهزة للأكل، وتقدم وهي ساخنة.
والبعض يطهوها مع البندورة والخضار، ودول تطلق عليها أكلة المقلقل فيتركون قطع الكرش كبيرة كما هي ويتم تخييطها وحشوها بقطع من اللحم والبطاطا والخضار وتطهى بالفرن، بينما الأتراك يلفون الكرش والفوارغ ويقطعونها بعدما تنضح كالشاورما.
فوائد صحية
من جهتها تتحدث اختصاصية التغذية ياسمين عثمان أن هذه الأكلة الشهيرة يكثر إعدادها بعد عيد الأضحى، مشددة على أن "عدم تنظيفها جيدًا وبالشكل المطلوب قد يؤدي لنقل الميكروبات إلى متناوليها، لذا لا بد من التقيد بالطرق المتبعة في تنظيفها وتعقيمها جيدًا".
وتذكر أن الكرش والفوارغ توفر سعرات حرارية عالية، مما يزود الجسم بالطاقة اللازمة، كما أنها تحتوي على عناصر غذائية مهمة للجسم مثل الفسفور والكالسيوم والمغنيسيوم واليود، والتي تعزز صحة المفاصل وتحمي من الالتهابات وهشاشة العظام.
وتعد الكرشات والفوارغ من الأطباق الشتوية لدسامة مذاقها واحتوائها على نسبة جيدة من الدهون، لكنها ليست عالية، كما تبين عثمان، إذ إن المادة الدهنية في الكرشة قليلة، ومعظم كميات الدهن تزول أثناء تنظيفها.
وتنبه إلى أنها الكرشة تمد جهاز المناعة بالكولاجين الذي يحمي بطانة الجهاز الهضمي من التقرحات والالتهابات المزمنة المرتبطة بالقرحة المعدية والقولون العصبي، وتعزز من نضارة البشرة وتحميها من التشققات والجفاف، وتنصح مرضى الكوليسترول والنقرس بعدم الإكثار من تناولها.
يذكر أن معمل (ويدسون تينايت) في أتلانتا وجورجيا، اكتشف في تحليل لعينة من الكرشة، وجود بكتيريا حمض اللاكتيك، والمعروفة ببكتيريا (الأسيدوفيلس)، وهي أحد أنواع البكتيريا المعوية المفيدة.
ويبين المعمل في تحليله للعينة أن نسبة الكالسيوم في الكرشة تبلغ 1:1، حيث تعد درجة الحموضة العامة بالنسبة للجانب الحمضي أفضل للهضم، أما نسبة البروتين فتصل إلى 15.1، والدهون 11.7، مع وجود الأحماض الدهنية الأساسية في نسبها الموصى بها.