المشاهد البطولية التي بثتها المقاومة الفلسطينية لأولى المحاولات الناجحة لإطلاق صواريخ فلسطينية من محافظة جنين شمال الضفة المحتلة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية تمثل تطورًا لافتًا في قدرات المقاومة الفلسطينية، ونجاحها في نقل الخبرات والتقنيات من غزة إلى الضفة، في خطوة سيكون لها ما بعدها في الأيام والأسابيع المقبلة.
أن تنجح المقاومة الفلسطينية الملاحقة على مدار الساعة في الضفة من قِبَل جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية على حد سواء في تأسيس منظومة صاروخية، وتنفذ محاولات إطلاق ناجحة لصواريخ باتجاه مستوطنات الضفة إنما يمثل ضربة كبرى للاحتلال وللمشروع الاستيطاني في الضفة، والأهم أنه يأتي بعد تفويض حكومة الاحتلال للوزير المتطرف بتسليئيل سموتريتش بصلاحيات تخوله تسريع التوسع الاستيطاني في الضفة، بمعنى أن مستوطني الضفة عليهم اليوم أن يعيشوا الأجواء التي لطالما عاشها مستوطنو غلاف غزة طيلة العقدين الأخيرين.
مشاهد إطلاق الصواريخ من جنين باتجاه مستوطنات الضفة تأتي بعد عملية عيلي التي نفذها فدائيان فلسطينيان وشكلت ضربة موجهة للمشروع الاستيطاني في الضفة، حيث أسفرت عن قتل أربعة مستوطنين إسرائيليين وإصابة آخرين، كما أن تطور قدرات المقاومة اليوم ليس بمنأى عن كمين جنين المُحكم، الذي نجحت المقاومة الفلسطينية من خلاله في استدراج الآليات العسكرية الإسرائيلية إلى حقل من العبوات الكبيرة التي أدت إلى حالة ذهول إسرائيلية، وأسفرت عن إعطاب سبع آليات عسكرية مصفحة، ومحاصرة عدد من دوريات الاحتلال، بما يشير إلى تطور قدرات الانتشار والرصد الميداني للمقاومة، ونجاحها في اختراق العقل الأمني الإسرائيلي، وتوقع مسار التوغل الإسرائيلي داخل جنين، والتجهيز السابق للكاميرات لتصوير الآليات العسكرية في أثناء تفجيرها إنما يؤكد التطور الكبير في قدرات المقاومة، واستخلاصها العبر من تجارب المواجهات السابقة، وقدرتها على تحقيق نجاحات ميدانية على الأرض في الضفة.
نجاحات المقاومة الميدانية في جنين دفعت جيش الاحتلال لاستخدام طائرات مروحية في قصف عمق الضفة لأول مرة منذ عقدين، بما يشير إلى فشل ميداني لجيش الاحتلال، وفقدانه السيطرة على الأرض في مواجهة رجال المقاومة، كما يشير من ناحية أخرى إلى انهيار منظومة أمن السلطة التي لطالما اعتمد عليها الاحتلال في ملاحقة المقاومة الفلسطينية، ما دفع نتنياهو إلى الإعلان عن حرصه على عدم انهيار السلطة، واستعداده لتمويلها، في دلالة على أهمية التنسيق الأمني ودور الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في ديمومة الاحتلال وحماية المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة المحتلة.
مشهد آخر من المشاهد اللافتة كان عودة سياسة القصف الجوي الغادر، وتنفيذ اغتيالات للمقاومين الفلسطينيين عبر قصف المركبات في الضفة المحتلة، وهو مشهد يشير إلى هواجس جيش الاحتلال من تكرار كمين جنين، ونجاح المقاومة في إيقاع خسائر فادحة في قوات الاحتلال التي اعتادت تنفيذ اعتقالات ومداهمات ليلية لمناطق واسعة في الضفة دون مخاطر، لكنها اليوم باتت تفضل تنفيذ عمليات قصف جوي لعدم قدرتها على الوصول للمقاومين على الأرض، مع قناعتنا أن المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك زمام المبادرة للرد على جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة المحتلة.
مشاهد إطلاق صواريخ جنين جاءت اليوم في ظل تغول المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين العزل في قرى وسط وشمال الضفة، حيث أقدم المجرمون الصهاينة على حرق عشرات المنازل، ومئات المركبات الفلسطينية، ظنًا منهم أن الفلسطيني سيرتدع أمام تلك الهجمات البربرية، وما علموا أن المقاومة تجهز رشقات صاروخية ستحول مستوطناتهم وثكناتهم العسكرية إلى منطقة أشبه بمستوطنات غلاف غزة التي باتت تدرك جيدًا معنى الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة مع كل تصعيد عسكري مع الاحتلال.
ختامًا ومع التطور اللافت في قدرات المقاومة، ونجاحها في تنفيذ عمليات إطلاق نار يومية تجاه المستوطنات في الضفة، فإنني أتوقع أن تصعد المقاومة خلال المرحلة المقبلة من عملياتها النوعية التي ستشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة حكومة نتنياهو المتطرفة على توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة، أو استجلاب مستوطنين جدد للضفة، كما أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن عمليات الاغتيال، والاعتقالات المتواصلة، فشلت في الحد من تمدد خلايا المقاومة من جنين إلى نابلس وطولكرم وأريحا، وغيرها من مناطق الضفة المحتلة.