نجاح منفذ عملية صباح أمس بالوصول إلى هدفه على بوابة مستوطنة "هار أدار" قرب القدس المحتلة، وتنفيذ عملية نوعية، دليل على ضعف منظومة الاحتلال الأمنية وهشاشتها، وأنها ليست بتلك الصورة النمطية المرسومة حولها، فقتل ثلاثة جنود وإصابة رابع بجراح وصفت بالخطيرة، هو رقم صادم ومفاجئ للاحتلال، الذي يدرب جنوده ورجال أمنه على جاهزية عالية، وأخذ جميع الاحتياطات الأمنية.
لكل فعل رد فعل، وما دام الاحتلال جاثما فوق الأرض الفلسطينية، فإن من يتحمل ما يحصل وما ينتج عنه من سيل متواصل للدماء، هو فقط الاحتلال، فحكومة "نتنياهو" ترفض إعطاء الفلسطينيين حقهم في العيش بكرامة وحرية وإقامة دولتهم كبقية شعوب الأرض.
قيام منفذ العملية بإطلاق النار والطعن، دليل أنه وصل مرحلة متقدمة من التفكير والتخطيط للعملية، والتي هي فردية بالغالب كجميع عمليات الطعن وإطلاق النار التي تجري منذ عامين تقريبا بانتفاضة القدس.
ماذا لو كان المنفذ مدربا جيدا على العمليات والطعن، لكان حجم الخسائر في صفوف الاحتلال أكثر!؟ المنفذ لم يأت من كوكب آخر، بل هو فلسطيني عادي وشاب، حمله القهر والعذاب ومعاناة شعبه على أن يكون بهذا التصميم والجرأة في التخطيط والتنفيذ.
على مدار التاريخ كانت العلاقة الطبيعية لوجود احتلال فوق أرض عليها شعب، ليست التعايش معه، بل هي رفض هذا الاحتلال، الذي يأخذ صورا شتى وكثيرة بحسب قدرة وقوة الشعب الواقع تحت الاحتلال، وحنكة ودقة قواه الحية التي تقود خط مقاومة ورفض المحتل الغاصب.
لا أحد في الكون يحب القتل، ومنظر الدماء وهي تسيل، فطبيعة الإنسان السوي جبلت على العيش بسلام وهناء وعمارة الأرض، لكن في ظل وجود احتلال يقتل ويجرح ويصادر ويطرد السكان الآمنين، فإن العلاقة عندها تتغير كرد فعل على الاحتلال.
سيعقد "نتنياهو" مجلس وزرائه المصغر للرد على العملية ويصفها بالإرهابية والحقيرة، وسيعتقل عائلة المنفذ من بيت سوريك كما يقول إعلام الاحتلال، وستطوق قريته أو بلدته، وستعاقب، كما جرى في قرية كوبر مسقط رأس منفذ عملية مستوطنة" حلميش" التي قتل فيها ثلاث مستوطنين، وحتى لو مارس عمليات قمع اكبر وأقوى فإنها لن تثني شابا في لحظة ما، أن يفكر ويقرر القيام بعملية بشكل فردي، في ظل عجز عربي وفلسطيني مهين ومحرج.
لو لم يكن يوجد احتلال فوق الأرض الفلسطينية، فإنه لن يكون هناك داع أن يقوم شاب بطعن وإطلاق نار على جنود الاحتلال والمستوطنين، وعند زوال الاحتلال تتوقف تلقائيا عمليات المقاومة سواء كانت فردية أو مخططا لها من قبل فصائل فلسطينية.
سيسارع الاحتلال إلى تحميل السلطة الفلسطينية المسئولية عن العملية، ويحمل حركة حماس كذلك، وقد يحمل المسئولية أيضا لكل ما هو فلسطيني على وجه الأرض، دون أن يكاشفوا أنفسهم، ويعلنوا أن الاحتلال هو المسئول الأول والأخير، وفقط.
سينتصر كل من هو صاحب حق في النهاية، مهما كانت التضحيات، ووجود احتلال فوق الأرض الفلسطينية كآخر احتلال في العالم، تقر به كل دول العالم، وليس كما صرح مسئول أمريكي قبل أسابيع انه احتلال مزعوم.
في المحصلة، قد يطول الصراع وقد يقصر، وعلى قصار النفس أن يتنحوا جانبا، والمسير طويل، ولله جنود لا يعلمها أحد، "وما يعلم جنود ربك إلا هو"، وحتى كنس الاحتلال ومجيء تلك اللحظة التاريخية، على القوى الفلسطينية أن تسارع بالوحدة والمصالحة والاتفاق على برنامج وطني موحد، فالزمن يجري سريعا، ولا يلتفت للخلف.