نقف اليوم أمام عظمة الرجال، الذين يصنعون المستقبل، ويرسمون معالم الانتصار، هؤلاء الشهداء الذين يعملون ويمضون بصمت، تاركين خلفهم أثرًا باقيًا، ونورًا تستضيء به الأجيال في طريق جهادنا ومقاومتنا.
نودع رجلًا من رجالات فلسطين، وقائدًا من قادة العز الميامين، ونحن في أيام مباركة نقترب من يوم التضحية والفداء، وأي تضحية أعظم من أن يضحي القائد بماله ونفسه وولده فداء لله ولدينه.
لقد رسم أبو عطية نموذجًا فريدًا يحتذى به، فهو في مسار الدعوة والعمل الشوري والتربوي يعد مربيًا فاضلًا يقود مجالس تربوية بالرغم من انشغالاته الكثيرة، وهو رئيس مجلس الشورى المحلي غرب جباليا، وقد عملت نائبًا له منذ بداية الدورة الحالية، وقد كان يؤدي واجبه الشوري والدعوي على أكمل وجه، وما رأيت منه إلا قائدًا حكيمًا مرنًا حليمًا يدير الاجتماعات واللقاءات بكل حكمة واقتدار، ولا يقطع أمرًا إلا بمشورة إخوانه.
وفي مسار العمل العسكري القسامي، كان له شرف المشاركة في لبنات التأسيس الأولى لكتائب القسام في مدينة جباليا، وساهم بدونم من أرضه، اشترى بثمنه سلاحًا للمجاهدين القساميين مطلع انتفاضة الأقصى عام 2001، وهذه اللبنات أنبتت جيشًا قساميًا أقضَّ مضاجع الاحتلال، ولا يزال، فقد نذر نفسه ووقته وماله في مسيرة الإعداد وهو يترقب معركة التحرير، كيف لا وهو قائد لكتيبة الشهيد عماد عقل في معسكر جباليا، ونائبًا لقائد لواء الشمال في كتائب الشهيد عز الدين القسام سابقًا، وابنه الشهيد عطية قائد قسامي ميداني يحمل سندًا متصلًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأشقاؤه قساميون، فتلك أسرة قساميّة قدم الشيخ التضحيات معها في جميع المحطات، إذ اعتقل في سجون الاحتلال والسلطة، ودمر الاحتلال بيته، وحاول اغتياله مرات عدة.
كان للشيخ رحمه الله بصمة واضحة وكبيرة في مسار الإصلاح الاجتماعي بين الناس، وفي حل قضاياهم والتوفيق بينهم، فإذا ما ذكر الشيخ أبو عطية بين الفرقاء تنتهي الخلافات بينهم بحضوره الطيب، فقد تميّز رحمه الله بعلاقته الطيبة مع الجميع، وكانت مودته وزياراته للجميع في المناسبات لا تتوقف بالرغم من انشغالاته الكثيرة.
تميّز رحمه الله بهدوئه وتوازنه وصمته، هيّنًا ليّنًا، قريبًا من الكل، يستحوذ على حب كل من عرفه، ولم يتوانَ في مساعدة كل من احتاج مساعدته، ماديًا ومعنويًا.
بعد رحلة جهادية طويلة، آن لهذا الجسد أن يستريح، وآن لهذا الفارس أن يترجل عن صهوة جواد المجد والبطولة، فسالت الدماء الزكية من جسده الطاهر الذي ما كلَّ ولا ملَّ وهو يقدم من أجل هذا الدين، لتشهد هذه الدماء على ثَباته وصبره واحتسابه، فما وهن ولا استكان، ولم يعرف للراحة طعمًا، ليلحق على عجل مبتسمًا سعيدًا بركب الشهداء.
ماذا بينه وبين ربه سبحانه وتعالى وقد احتشدت وأمَّت جنازته عشرات الآلاف في مشهد مهيب وكبير، زحفت من المسجد العمري بمدينة جباليا إلى مقبرة الشهداء مشيًا على الأقدام بالرغم من حرارة الجو، وهي تصدح بتكبيرات العيد، وكأن يوم ارتقائه للقاء ربه هو عيد له، فقد حقق ما تمنى، ونال شرف ووسام الشهادة الذي طالما سعى إليه وعمل من أجله على مدار عقود من الزمن.