رحل عن دنيانا اليوم شيخنا الحبيب وأستاذنا القدير عبد العزيز البطش الذي عرفته كل الأجيال المتعاقبة، وتربت على يديه في المدارس والجامعات والمساجد، بعد رحلة طويلة لأكثر من أربعة عقود من العمل التربوي والدعوي والحركي والأكاديمي، قضاها مثابراً ومجتهداً، ما عرف التقصير ولا التراجع ولا التردد، فكان ابناً باراً لهذه الجماعة المباركة من سبعينيات القرن الماضي، وعضو مجلس الشورى العام فيها مطلع الثمانينيات، وتنقل في جميع المستويات الحركية رئيساً ومرؤوساً وأميراً ومأموراً حتى وفاته رئيساً للهيئة الإدارية المحلية.
سمعت عن أبي حسين منذ كنت شبلاً صغيراً، إنه الشيخ والمربي والمصلح والقائد في مدينة جباليا، فقد كانت تتربع مسموعاته الطيبة في المجالس وبين الناس، وكانت له بصمة في كل ميدان، وله أثر في كل بيت من بيوت جباليا، إما بالتربية وإما التوجيه والإصلاح، فتربع في قلوب كل من عرفه من الأجيال والشباب والبيوت، حتى أصبح يلقب بشيخ جباليا وعالمها، وقد وفقني ربي أن عملت معه ورافقته في محطات عدة ومراحل مختلفة من العمل الحركي والدعوي.
لقد عايشت الشيخ أبا حسين ثماني سنوات من عمري حينما كنت مرؤوساً له في دورة كاملة في الهيئة الإدارية عام 2007 ثم أميناً لسر مجلس الشورى في رئاسته للمجلس في دورة أخرى، فما وجدت منه إلا قائداً حكيماً في إدارته وقيادته، وظهرت لي حكمته ورجاحة عقله في كل القضايا والمحطات، فهو يستمع للجميع، وينصت لهم دون ضجر، ويواجه الغضب بالحلم والهدوء، فلمست حلمه ومرونته ووسطيته في فكفكة القضايا وحلحلة المشكلات وإدارة الاختلافات في الرأي بكل هدوء دون أن يفسد للود قضية.
عرفت فيه العفة ونظافة اليد، كيف لا وقد كان مؤتمناً على أموال حركتنا ومؤسساتها في الحرب والسلم، فلم تنقص فلساً واحداً بين يديه، بل رعاها حق الرعاية، وأدى الأمانة بحق لأهلها، وهو نصير للفقراء، ومنصف للمظلومين، ويده مبسوطة، وقلبه منفتح، فلم يرد سائلًا، ولم يوصد الباب في وجه أحد.
اللهم إنا نشهد أن عبدك أبا حسين كان تقياً ونقياً وعفيفاً وزاهداً وناصحاً وصادقاً، فلم تغيره المواقع ولا المسميات ولا الألقاب، ولم تتقلب أحواله أو حياته، ولم تتبدل أخلاقه، ولم ينحرف عن محرابه أو رسالته، فظل في محاريب العبادة وحلق الذكر ومجالس العلم والتربية، وها قد رحل عنا وهو ثابت على دعوته، ملتزم حركته، مؤدياً رسالته وفكرته السامية.
كانت دمعات رفيق دربه في الدعوة الشيخ أبي سائد القانوع وإخوانه وهم يصلون عليه دليلاً على قسوة ألم الفراق، وشدة الحزن، وعظم المصاب الذي أصابنا، والفراغ الذي تركه بيننا، وقد كانت جنازته المهيبة التي شارك فيها الآلاف من أهلنا في شمال قطاع غزة وهم يتزاحمون على حمل جثمانه الطيب والتقاط الصور له أحد مؤشرات المحبة والقبول عند الله تعالى.
أبا حسين، شيخي الذي عرفت، سحائب رحمة ربي تتنزل عليك.. طبت حياً، وطبت ميتاً، وأسأل الله أن نلتقي بك في جنة الرحمن الرحيم.
والسلام عليك شيخي الذي عرفت.