فلسطين أون لاين

ماذا يعني استثناء (إسرائيل) من المقاطعة في بريطانيا؟

ركز بيان حزب المحافظين السياسي في انتخابات 2019 على تمرير ما سمي بالبريكست، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن بوريس جونسون وجد مكانا لسن قانون يمنع الجهات العامة مثل المجالس المحلية من مقاطعة شركات أو سحب استثمارات من (إسرائيل) إذا اختارت تلك الجهات ذلك بسبب خروقات حقوق الإنسان.

ومع أن التوجه في وقتها قلّل من أن الدافع كان التركيز على الشركات الضالعة في خروقات حقوق الإنسان في فلسطين، إلا أنه كان من الواضح لداعمي القضية الفلسطينية أن السبب الحقيقي لسن القانون كان كبح جماح حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، أو ما يسمى مختصرا بـ"BDS".

وكان المجتمع المدني الفلسطيني قد أطلق "بي دي أس" في عام 2005؛ نظرا لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين وانسداد الأفق لحل سياسي ينصفهم ويعطيهم حقوقهم المشروعة بالحرية والعودة.

لم يكن من الواضح في 2019 متى سيطرح القانون للنقاش خلال حكم المحافظين أو كيف ستكون صيغته، ولكن انشغال الحكومة بالبريكست، وأزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وتغير رئاسة الوزراء من بوريس جونسون إلى ليز تراس وأخيرا لريشي سوناك، كل ذلك أخّر طرح القانون حتى الآن. كانت التوقعات أن تطرحه ليز تراس الداعمة (لإسرائيل) التي أعلنت أنها صهيونية، وذلك خلال فعالية نظمها أصدقاء (إسرائيل) في حزب المحافظين، وكانت أيضا قد وعدت بنقل السفارة البريطانية من تل أبيب للقدس لولا سقوطها بعد ٤٩ يوما من تسلمها رئاسة الوزراء. إلا أن اللوبي الداعم (لإسرائيل) استمر بالضغط لتمرير مشروع القانون قبل نهاية حكم المحافظين المتوقع العام القادم.

بريطانيا لم تكن الدولة الأولى التي حاولت منع دعم "بي دي أس"، فسبقتها فرنسا في عام 2015، وفي الولايات المتحدة الامريكية نجح اللوبي الداعم (لإسرائيل) بتمرير قوانين في 25 ولاية أمريكية؛ تمنع الشركات وحتى الأفراد من التفكير بمقاطعة (إسرائيل) تحديدا واستثنائيا من بين كل دول العالم الأخرى، عبر حرمانهم من إبرام عقود عمل مع الولاية. وكان منع المدرّسة بهية أماوي، المتخصصة بمعالجة مشاكل النطق لدى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من تجديد عقدها مع مدرسة في ولاية تكساس في 2018 إلا إذا تعهدت بعدم مقاطعة (إسرائيل) ؛ قد أثار إمكانية أن تؤثر هذه القرارات حتى على الأفراد. وقد أقامت أماوي دعوى قضائية لاستعادة عملها على أساس حرية الرأي والتعبير التي يحميها الدستور الأمريكي.

كما أن فرنسا كانت قد جرّمت "بي دي أس" في عام 2015، مما قاد لتجريم 11 شخصًا من مساندي فلسطين، إلا أن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ألغت هذا القرار في عام 2020.

من المهم التذكير بأن المقاطعة لعبت دورًا في إسقاط نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، وهي أداة سلمية لدعم الشعوب المضطهدة للحصول على حقوقها. إذا ما الذي تسعى له بريطانيا بطرحها لمشروع قانون منع الجهات العامة من المقاطعة؟

ما تبين بدون أي شك عند طرح المشروع في حزيران/ يونيو هو أن بريطانيا أرادت حماية حليفتها (إسرائيل) من أي حساب على جرائمها المستمرة ضد الفلسطينيين. والمفارقة أن القرار طُرح يوم 19 حزيران/ يونيو تزامنا مع اقتحام قوات الاحتلال لجنين واستشهاد 5 فلسطينيين من بينهم طفل عمره 15 عاما.

فمع أن مشروع القانون (مشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة الشؤون الخارجية) يمنع الجهات العامة من مقاطعة شركات بناءً على تقييمها الأخلاقي، وهو عموما متعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أو التأثير على المناخ أو التسليح إلا إذا كان ذلك متماشيا مع السياسة الخارجية للدولة، كمقاطعة شركات روسية، إلا أنه سمّى (إسرائيل) كدولة مستثناة من المقاطعة، مما يعني أن أي تغيير في الحكومة مثلًا إلى حكومة مساندة للفلسطينيين لن يعني السماح للجهات العامة بمقاطعة الشركات الضالعة في انتهاك حقوق الفلسطينيين بمقاطعة (إسرائيل)؛ إلا بتغيير القانون.

كما أن الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل أُدرجا مع (إسرائيل)، مما فُسّر بأنه يعني منع مقاطعة المستوطنات التي تعتبرها بريطانيا في سياسة ممتدة لعقود غير شرعية، وذلك قد يعني عدم التفريق بين المناطق داخل الأراضي المحتلة، وذلك يشكل اختراقًا للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2334.

الوزير المكلف بدفع هذا القرار في البرلمان هو مايكل غوف، وهو داعم للصهيونية و(إسرائيل) بشكل كبير. وقد برر ضرورة وصيغة القرار بأنه لمواجهة ومنع معاداة السامية؛ والتي تعمل (إسرائيل) وداعموها على توسيع تعريفها ليضم انتقاد (إسرائيل)، على أساس أنها دولة اليهود الوحيدة في العالم وأن خلف انتقادها ومحاولة نزع الشرعية عنها لسياساتها وممارساتها الإجرامية هو كراهية اليهود. وهو لا يعترف بأي من التقارير التي أصدرتها مؤسسات حقوق الإنسان مثل أمنستي وهيومن رايتس ووتش وحتى المؤسسة الإسرائيلية بتسيليم؛ بأن إسرائيل تمارس سياسات الفصل العنصري (الأبارتايد) حسب تعريف ميثاق روما.

تعمل أكثر من 60 مؤسسة تركز على شؤون مختلفة مثل المناخ ومناهضة التسليح مع حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، لمطالبة البرلمانيين البريطانيين بالتصويت ضد القانون الذي تعتبره هذه المؤسسات هجومًا على الديمقراطية. وستشهد الأيام القادمة عملًا حثيثًا لإسقاطه، ولكن الأغلبية التي حصل عليها حزب المحافظين في انتخابات 2019 قد تمكّن من تمرير القانون، إلا أنه سيمر بعدة مراحل قبل ذلك، وسيعمل ناشطو حقوق الإنسان على ثني البرلمانيين عن تمريره. فهو سيئ بحد ذاته، ولكنه يقول لدولة الاحتلال العنصرية ها هي بريطانيا، دولة بلفور ومنبع نكبة الفلسطينيين، استمري في القتل والتنكيل وسرقة الأرض الفلسطينية واللبنانية والسورية فلن تواجهي أي محاسبة من لندن.

المصدر / عربي 21