تتجدد معاناة أم أحمد أبو سلطان كل يوم، وهي تحاول إسكات بكاء أطفالها الأربعة، الذين يطالبونها دومًا بإعطائهم "المصروف" وإعداد وجبة الفطور لهم، وبالرغم من بساطة المطالب إلا أنها تؤرق والدتهم نتيجة تأخير صرف الدفعة الثانية من مخصصات الشؤون الاجتماعية.

في فصول وجع يتكرر يوميًا، تفتح أم أحمد الثلاجة ولا تجد فيها إلا بعض الخبز، وفي أحسن الأحوال بعض الخضراوات التي يقدمها فاعلو الخير، تحتارُ في إسكات أنات الوجع الصادرة من بطون أطفالها.

تعيش أم أحمد في منطقة "الفاخورة" شمال قطاع غزة، وعلى الرغم من ترميم منزلها الصغير فوق سطح منزل عائلة زوجها، إلا أن لهيب الشمس الحارق تحوله إلى "فرن" يكوي من بداخله كما يكويهم الفقر المدقع، ولا يوفر لهم الدفء من برد الشتاء.

قبل عيد الفطر وبعد انتظار طويل صرفت وزارة الشؤون الاجتماعية برام الله المخصصات التي كان يفترض أن تصرف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ومنذ ذلك الوقت تنتظر أم أحمد وأطفالها وعشرات آلاف المستحقين صرف الدفعة الثانية.

"الأولاد كل يوم بصيحوا، بلاقيش اشي اطعميهم" تشرح معاناتها، في حين يتأرجح القهر بين نبرة صوتها المسكون بالمعاناة، مضيفة: "ما زاد معاناتنا أن البقالات أوقفت الدين عنّا بسبب عدم انتظام الدفعات فسابقًا كانت حياتنا أفضل مع انتظام الدفعات، فتراكمت المعاناة، وبات كل همي إعطاء أطفالي مصروفهم وتحضير وجبة الإفطار لهم".

منذ ثلاثة أشهر حولت شركة توزيع الكهرباء، نظام الشحن إلى "العدادات الذكية" وبسبب تأخير صرف المخصصات لم تستطع "أم أحمد" شحن الكرت، ولولا مد خط كهرباء من الجيران للإنارة لعاشَت في ظلام دامس.

وقررت لجنة متابعة العمل الحكومي بغزة في اجتماعها الأسبوعي الأخير، دعم الفاتورة الشهرية لاشتراكات كهرباء الأسر المنتفعة من وزارة التنمية الاجتماعية بمبلغ 50 شيقل، لمشتركي العداد الذكي، بحيث تسددها عنهم وزارة المالية، وصفت أم أحمد هذه الخطوة بالجيّدة وقالت: "تخفف عنا شيئًا من الالتزامات وأفضل من أن نعيش بلا كهرباء".

جرح الفقد

ليس الفقر هو من يقهر أم هيثم أبو جرادة فحسب، بل يجتمع معه جرح فقد ابنها "مصطفى" (18 عامًا) الذي توفي في شهر مارس/ آذار الماضي، عندما خرج للبحث عن "لقمة عيش" مغمسة بالشقاء، بالعمل على رافعة (مانوف) فتعرض لصقعة كهربائية في أثناء العمل، وبدلًا من أن يعود لوالدته بأجرة يومية زهيدة لا تزيد عن عشرين شيقلًا تخفف معاناتها، عاد جثة هامدةً أضاف "جرحًا غائرًا في قلبها لا يتوقف حتى لو توقفت المعاناة".

"الله يعلم بالحال" لا تلخص تلك الجملة التي قالتها "أم هيثم" واقعها فقط، وإنما هذا حال يعيشه مستحقو الشؤون الاجتماعية، في ظل عدم صرف نحو 13 دفعة متأخرة منذ عام 2017.

تأخذها دموعها إلى صورة نجلها الأخيرة قبل وفاته: "خرج للعمل عندما وجد وشاهد وضعنا المأساوي، فزوجي مريض لا يستطيع العمل، ونعيش في أرض حكومية، لكنه توفي، وعلينا ديون متراكمة".

وبفارغ الصبر تنتظر صرف الدفعة الثانية لهذا العام، تردف بصوت ترافقه دموع القهر: "نفسي أجيب طبخة زي الناس، بتمنى يصرفوها، علينا ديون كثيرة".

في بيت محمد النجار وهو أحد المستحقين، فإن أي تأخير في صرف الدفعات يعني تراكم المزيد من دفعات الإيجار لصالح مالك الشقة، التي لم يعد يحصيها لكثرتها.

اقرأ أيضاً: "العمل الحكومي" تقرّر دعم فاتورة كهرباء منتفعي "الشؤون الاجتماعية" بغزة

لدى النجار 9 أولاد، منهم مريضان، لم يستطع تعليم ثلاثة منهم في الجامعات نظرًا لعدم انتظام الدفعات، حتى لو خفضت له الجامعات الرسوم إلى النصف.

يقول لصحيفة "فلسطين": "الدفعة المنتظرة ستذهب كلها إلى الديون والبقالات، وللصيدلية، أصبحت حياتنا روتينية، لا نستطيع شراء الاحتياجات كبقية الناس، تسترنا الجدران وما يسكن معداتنا".

احتجاجات مستمرة

وكانت الهيئة العليا للمطالبة بحقوق منتفعي الشؤون الاجتماعية قد أرجأت وقفة احتجاجية كانت تعتزم عقدها الأسبوع الماضي بسبب تدخل "وساطات أوروبية" –بحسب المتحدث باسم الهيئة صبحي المغربي- لحين صرف المخصصات، لافتًا إلى أن اللجنة ستنظم الوقفة في غضون أسبوع.

واعتبر المغربي لصحيفة "فلسطين" تأخير صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية "مماطلة وتسويفًا" وأكل حقوق مستفيدي الشؤون الاجتماعية من قبل السلطة برام الله، مؤكدًا أنه حتى لو صرفت الدفعة الثانية هذا العام قبل عيد الأضحى، فذلك لا يعني توقف الوقفات الاحتجاجية، بسبب وجود استحقاقات عن دفعات مالية لم تصرف.

وأشار إلى أن اللجنة نظمت وقفة احتجاجية لأطفال المنتفعين قبل شهر، بهدف الضغط لصرف المخصصات، معتبرًا في الوقت ذاته توقف برنامج الغذاء العالمي عن صرف مساعداتِه "محرقة" ستزيد الأوضاع صعوبة.

ودعا المغربي السلطة إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الأسر المتعففة في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر صرف شيكات الشؤون وانتظام مواعيد صرفها، والعمل على زيادة تلك المخصصات.