فلسطين أون لاين

المقاومة تتصاعد يومًا بعد آخر

تقرير "نابلس".. "جبل النار" الذي لم يُخمد لهيبه

...
المقاومة المسلحة في الضفة الغربية (أرشيف)
نابلس-غزة/ نور الدين صالح:

كان جنود جيش نابليون الفرنسي يتقهقرون من شمال فلسطين مثقلين بالخيبة والعار بعد هزيمتهم التاريخية المذلة على أسوار مدينة عكا الفلسطينية عام 1799 ميلادي، وما إن مروا بجبال نابلس في طريق عودتهم لقواعدهم، حتى باغتهم أهالي المدينة بكمائنهم التي أعدوها سلفًا، إذ أشعل الفلسطينيون النار بخيام الفرنسيين في الليل، وأحرقوا الأحراش من حولهم لمنعهم من الهروب، ولإيقاع أكبر خسائر فيهم، ومنذ تلك الحادثة وتُعرف المدينة باسم (جبل النار)، إذ لا يزال سكانها يصرون على إشعال النار في كل محتل غاصب ينتهك حرمة أراضيهم.

وشهدت المدينة تاريخيًا، العديد من المواجهات والثورات العربية ضد المحتلين، ومنها ثورة عام 1936، إذ كانت جبال نابلس مأوى للثوار المطاردين من الجيش البريطاني المحتل.

ومرّت الحالة النضالية في "نابلس" وهي أكبر المدن الفلسطينية، في عدّة محطات مهمة منذ ذلك التاريخ، منها الانتفاضة الأولى عام 1987، وانتفاضة الأقصى في عام 2000، حتى هذا اليوم، شهدت فيها المقاومة تطورًا متسارعًا، ورسمت معادلات جديدة في التصدي لممارسات الاحتلال، وصولًا إلى تشكيل كتائب المقاومة وأبرزها "عرين الأسود".

اجتياحات ومقاومة

وشنّت قوات الاحتلال جُملة من الاقتحامات المتكررة ومداهمة المنازل والحارات والأزقة، على مدار تلك السنوات في جميع مدن وقرى نابلس، ما أدى إلى ارتقاء مئات الشهداء وإصابة آلاف الجرحى واعتقال المئات من المدينة.

وفي نهاية يوليو/ تموز 2001، عاشت المدينة أكبر عمليات الاغتيال في الانتفاضة الثانية، طالت جمال سليم وجمال منصور.

وفي عام 2002، اجتاحت قوات الاحتلال مدينة نابلس وخاصة البلدة القديمة، واجهت فيها مقاومة شديدة، في حين لجأ الاحتلال لهدم المباني للنيل من المقاومة، ما خلّف 75 شهيدًا وأكثر من 160 إصابة.

كما شنت سلسلة من العدوانات تحت مُسميات متعددة مثل "الضغط الخانق" في 2002، وعدوان "المياه الراكدة" في 2003، وعملية إسرائيلية كبرى في 2006، إضافة إلى عدوان "الشتاء الساخن" في 2007.

ولاقت كل هذه العدوانات مقاومة شرسة قضّت مضاجع الاحتلال وفرضت معادلات جديدة، بالرغم من قلة الإمكانيات والوسائل المتاحة، حتى تشكّلت مجموعات "عرين الأسود" التي ذاع صيتها في شباط 2002، بعد أن اغتالت قوات الاحتلال ثلاثة شبان من البلدة القديمة.

وتوسعت دائرة المجموعة المسلحة وانضم لها عدد أكبر من المطاردين من فصائل ومناطق مختلفة، ونفذت العديد من العمليات العسكرية ضد الاحتلال، وتصدت له في كثير من الاقتحامات والمداهمات اليومية، فيما ارتقى منها عشرات الشهداء أبرزهم محمد العزيزي، وعبد الرحمن صبح، وتامر الكيلاني، وإبراهيم النابلسي.

اقرأ أيضاً: سباعنة: المقاومة بالضفة تتطوَّر والحاضنة الشعبية تزداد التفافًا حولها

ولا تزال شرارة المقاومة في نابلس مشتعلة حتى اليوم نتيجة تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية وتضييق الخناق على المواطنين عبر تشديد الحصار، ضمن محاولات الاحتلال إطفاء لهيب المقاومة التي تشهد التفافًا شعبيًا كبيرًا.

طليعة الكفاح

يؤكد الناشط السياسي من نابلس غسان حمدان، أن نابلس دائمًا في طليعة الكفاح ضد الاحتلال على مدار التاريخ حيث تُعد من أهم مراكز الحركة الوطنية في الأراضي الفلسطينية.

وأوضح حمدان في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن نابلس مرَّت بعدة تجارب تاريخية وتصدرت المواجهة مع الاحتلال، الأمر الذي جعله يسعى لقمع الحركة الوطنية في سبيل إخماد جذوة المقاومة.

وبيّن أن تركيز الاحتلال على مدينة نابلس يزداد يومًا بعد آخر، عبر تشديد الحصار وتكثيف عمليات الاجتياح وخاصة في البلدة القديمة والمخيمات والقرى المحيطة بها، لإنهاء حالة المقاومة.

وبحسب قوله، فإن نابلس مرّت بعدة محطات مهمة ومنها تشكيل حركات المقاومة في البلدة القديمة ومخيم بلاطة وبلدة حوارة التي تتعرض لهجمات من الاحتلال والمستوطنين تستهدف منازل المواطنين وممتلكاتهم، في أعقاب تنفيذ عمليات بطولية أدت إلى مقتل 3 مستوطنين منذ بداية العام.

وأشار إلى أن قرى "بيتا وبيت دجن وبرقة" مثلت علامة فارقة في مقاومة المشاريع الاستيطانية التي ينفذها الاحتلال من أجل إحكام سيطرته المطلقة عليها، وإحلال المستوطنين بدلًا من الفلسطينيين وذلك تطبيقًا لسياسة التهجير القسري، مشددًا على أن هذه المحطات وغيرها "أدت إلى تصاعد المقاومة في نابلس".

ورأى حمدان أن تشكيل المجموعات الفلسطينية المسلحة في نابلس هو "نتاج طبيعي" لمقارعة الاحتلال الذي لم يترك مجالًا للشعب الفلسطيني وارتكب بحقه الممارسات العنصرية على مدار فترات.  

وشدد على أن "هذه التشكيلات المسلحة ستبقى مستمرة وستتطور أكثر في ظل وجود الاحتلال، بالرغم من محاولاته لإنهائها"، لافتًا إلى أن الاحتلال يخشى توسع ظاهرة المقاومة في كل مدن الضفة المحتلة.

وهذا ما ذهب إليه الناشط في المقاومة الشعبية سامي دغلس، الذي أكد أن نابلس كانت وما تزال مُستهدفة من الاحتلال بفعل قوة المقاومة فيها، ومعها الحاضنة الشعبية الداعمة لها.

وقال دغلس لـ"فلسطين": "نابلس دائمًا تهب للمقاومة سواء عند الاعتداء عليها أو على مدن فلسطينية أخرى أو المسجد الأقصى، فهي سباقة للفعل المقاوم والمناضل".

وبيّن أنه كان لنابلس دور كبير في بناء المجموعات المطاردة منذ عهد الانتفاضة الأولى وحتى اليوم، مثل "الفهد الأسود"، و"النسر الأحمر" والعديد من الكتائب الأخرى، التي قدَّمت مئات الشهداء والجرحى والأسرى.

وشدد على أن "نابلس تدفع دائمًا بالمناضلين وهي عصية عن الكسر والرضوخ للاحتلال"، مضيفًا: "بالرغم من سقوط الشهداء والجرحى وتدمير مئات المنازل إلا أن نابلس ما تزال صامدة ولم ينل الاحتلال من عزيمتها".

ولفت دغلس إلى أن الاحتلال كثّف من حملات الاعتقالات والمداهمات لمدينة نابلس في الآونة الأخيرة في محاولة لإنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة المتصاعدة، إضافة إلى عدم الإفصاح عن خسائره، حتى لا يرفع معنويات المقاومين.

وأضاف: "الاحتلال يعتقد أنه إذا وجه ضربة موجعة لنابلس وسقط فيها الشهداء والجرحى سيخمد لهيب المقاومة فيها، لكنها جاءت حافزًا لمواصلة النضال وانطلاق الهبات الجديدة".

ونابلس إحدى أكبر المدن الفلسطينية سكانًا وأهمها موقعًا، وتعتبر مركزًا لشمال الضفة الغربية إضافةً إلى كونها عاصمة لمحافظة نابلس التي تضم 56 قرية ويُقدر عدد سكانها بقرابة 388,321 نسمة حسب إحصاءات عام 2017.