عملية حاجز الريحان الفدائية بجنين البطولة الثلاثاء الماضي، التي أصيب فيها خمسة صهاينة، جاءت ردًا على استشهاد الشاب فارس حشاش وإصابة ثمانية مواطنين في مخيم بلاطة بنابلس، دليل على جرائم الاحتلال المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، لكنه بالرغم من كل محاولاته البائسة للاحتلال بكل ما يمتلكه من قوة وعدة وعتاد وتنسيق وتعاون أمني مع السلطة في الضفة، أصبح عاجزًا عن تحقيق أحلامه في تصفية المقاومة والقضاء على بنيتها التحتية، التي تثبت في كل لحظة حضورها القوي بعملياتها النوعية وردودها السريعة على كل جريمة يرتكبها الاحتلال ومستوطنيه، ما يدلل وحدة العمل المقاوم وتكامل أدوار المقاتلين في جميع أرجاء الضفة المحتلة بتزايد أعدادهم من مختلف الأعمار، إذ نشاهد في كل يوم انضمام أعداد جديدة من الشبان إلى صفوف المقاومة، إضافة إلى ذلك توفر السلاح، وأهم من كل هذا إرادتهم القوية في مواصلة الكفاح المسلح لدحر الاحتلال وتحرير الضفة من دنس الصهاينة.
ما يقلق الاحتلال أن المقاومين يفاجئونه في عملياتهم الفدائية من الناحيتين المكانية والزمانية، وخاصة تلك التي تقع في مناطق يعدها هادئة أو عندما ينفذها جيل خارج حسابات الأمن المدرج لدى أجهزة استخباراته، والسر في هذا أن أغلب العمليات الفدائية لدى هذا الجيل المقاوم على ما يبدو لا تأخذ وقتًا ولا تفكيرًا وبعيدة عن طابعها التنظيمي التقليدي.
لكن المعضلة الكبرى التي تقلق الاحتلال كثيرًا، عندما تكون العمليات مجهولة الهوية والتبني (غير معروف جهة مسؤوليتها)، وقد فرضت نفسها على المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في المرحلة الأخيرة، واقتصر الأمر على المجهود الفردي الذي ميز العمليات الفدائية بنوع من “السر والكتمان” وتنتهي بانتهاء العملية الفدائية أو باستشهاد منفذها، واكتفاء الفصائل الفلسطينية بالمباركة.
لا شك أن هذا التكتيك العسكري أدى إلى تمكين المقاومين من عزل نشاطهم وتحضيراتهم للعمليات النوعية سرًا عن ما يمكن أن يعرضهم لمراقبة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ونظيرتها التابعة للسلطة عبر التعاون الأمني القائم بينهما، وهو ما أصبح مكشوفاً على الملأ، ولعل اتهامات كتيبة طولكرم لأجهزة السلطة، بتسهيل اقتحامات الاحتلال، خير دليل على تآمرها على شعبها، حتى أن الفلسطيني في الضفة المحتلة أصبح يشعر بالخزي من الدور الأمني الذي تؤديه، لما تمارسه من ضغوطات على أهالي المقاومين لتسليم أنفسهم واعتقالهم، بهدف كشف أمرهم، لماذا؟ لأن التعاون مع الاحتلال نابع من عقيدتها الراسخة في كينونتها بتقديس التنسيق الأمني وتخليها عن دورها الوطني والأخلاقي في توفير الحماية للشعب الفلسطيني بصد تغول الاحتلال، الذي يشيد بأدائها.
إن عملية ثأر جنين لنابلس، تثبت من جديد أن الضفة المحتلة بمقاومتها وصمودها تمثل إرادة الشعب الفلسطيني، بل أصبحت أيقونة الكفاح المسلح، فلم تسمح لجرائم الاحتلال أن تمر مر الكرام، إذ إننا نلاحظ أن الرد يأتي كل مرة من موقع مختلف، ما يعني أن خطط الاحتلال الأمنية تسقط تحت نيران المقاومة بالرغم من كل الظروف الضاغطة التي يمارسها الاحتلال يوميًا، وإجراءاته القمعية ضد الفلسطينيين، لتيئيسهم وإخضاعهم للأمر الواقع، إلا أن كل ذلك لم ينجح في تصفية المقاومة، التي تزداد قوتها يومًا بعد يوم وتتميز في أسلوبها وتكتيكها ومكان ودقة تنفيذها، فهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عجز (إسرائيل) على المستوى الأمني والعسكري (التقني والاستخباراتي) عن توصلها لأي معلومات عن العمليات الفدائية، ومنفذيها، الذين لا ينتظرون إذنًا أو قرارًا لتنفيذ عملياتهم، فهم يتخذون القرار بأنفسهم ويستطلعون أهدافهم، ويحددون توقيت هجماتهم، الأمر الذي يجعل الاحتلال في حالة من التخبط الأمني، في كل مرة تحصل فيها عملية فدائية ناجحة.