فيما تتواصل الاحتجاجات الإسرائيلية للأسبوع الثالث والعشرين على التوالي، الموجهة في المقام الأول ضد تغيير المنظومة السياسية والقضائية، فإنها لا تتطرق للصراع مع الفلسطينيين، وتتناوله بشكل هامشي، مع أن الإسرائيليين لن يقدروا على إصلاح نظامهم السياسي دون التعامل الحقيقي مع الصراع مع الفلسطينيين.
يتزامن هذا الحديث في الوقت الذي تشكلت فيه واحدة من أهم نتائج الاحتلال، وهي غياب حلّ الدولتين عن جدول الأعمال، مما يعني أنه حلّ لن يكون مرجحًا في قادم الأيام، وهذا هو الخطر بعينه على الاحتلال ذاته، لأن البديل عن هذا الحل المتراجع يوما بعد يوم يعني التحول تدريجيا إلى حل الدولة الواحدة بين النهر والبحر، وما بدا غير عادي قبل عدة سنوات، ومستبعدًا عن مجرد الطرح، فقد أصبح في هذه الأثناء هو الخطاب السائد في وسائل الإعلام والمعاهد البحثية الإسرائيلية، التي تمثل المؤسسة الأمنية والسياسية.
بجانب حلّ الدولة الواحدة، فقد دخل مقترح جديد على نقاشات الإسرائيليين بالترويج للفكرة الفيدرالية في الجمهور الإسرائيلي، لأنه عندما يحيط الضباب بالحلّ الدائم، ويصبح الضمّ المحتمل لمناطق غير محددة في الضفة الغربية هو الأكثر قربًا، خاصة وأنه في ظل الحكومة الحالية، يصبح المجال متاحاً لخطاب سياسي متنامي لمناقشة بدائل لم تكن مدرجة فيما مضى على أجندة صانع القرار.
التخوف الإسرائيلي من جملة النقاشات لمزيد من الحلول الجديدة، غير التقليدية، أنها تضع حجر الأساس لواقع جديد في دولة الاحتلال الموسعة، وتشمل فلسطينيين محرومين من الحقوق المدنية، أمام إقامة دولة بأغلبية يهودية، أي أن الحديث يدور عن نسخة "ناعمة" من حل الدولة الواحدة، قائم على اتحاد يهودي فلسطيني يشمل الضفة الغربية، يشمل اندماج جميع السكان، فيما يبقى قطاع غزة منفصلًا عن هذا الحلّ، على أن يتلقى كل الدعم اللازم، بما فيها ترتيبات المعابر الحدودية.
وطالما أن المعطيات السياسية القائمة حاليا تبعد أي بصيص أمل بتنفيذ حل الدولتين، في ضوء الوقائع الميدانية الجديدة بترسيخ المستوطنات، وإقامة المزيد منها، في الضفة الغربية، مما يشكّل المسمار الأخير في نعش الدولة الفلسطينية، وقضت على تطلعات الفلسطينيين طوال سنوات ماضية بمساعيهم لدى دول العالم لإجبار الاحتلال على الاستجابة لمطالبهم بالانسحاب لحدود 1967.
هذا يعني، وفق التقدير الإسرائيلي، أنه قد لا يطول الوقت الذي يبدأ فيه الفلسطينيون يطالبون بحلّ الدولة الواحدة، حتى دون أن يطالبوا هم، فقد بدأ هذا الخيار يفرض نفسه على الأرض مع مرور الوقت، مما يجعل هذا الموضوع مطروحًا على أجندة صناع القرار لدى مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، التي لا تراه حلًا مفضلًا، لكنه المتاح حاليًّا، انطلاقًا من العمل وفق منطق "إدارة" الصراع، وليس "حلّه".