ثلاثة عقود مرت على اتفاقية التطبيع بين الأردن و(إسرائيل)، العقود الثلاثة مدة كافية جدًّا لإحداث تحولات في المزاج الشعبي باتجاه الانسجام مع متطلبات التطبيع من الوجهة الحكومية، ولكن هذه التحولات لم تحدث، وربما لن تحدث، وذلك لأسباب عديدة نوضحها لاحقًا.
استطلاع الرأي الذي أجراه (معهد واشنطن للدراسات) في مارس وأبريل ٢٠٢٣م يثبت ما تقدم آنفًا، إذ يقول: إن 84% من الأردنيين يرفضون أي نوع من العلاقة مع (إسرائيل)، ويرفضون عقد صفقات تجارية مع شركات إسرائيلية، حتى ولو كان ذلك سيساعد اقتصادهم، ويرفضون التعاون مع (إسرائيل) في جوانب أخرى، وأبدى 76% من الأردنيين رفضهم حصول الأردن على مساعدات إنسانية من (إسرائيل).
هذه النتائج الرقمية مهمة، لأنها قراءة محايدة، ولأنها تكشف حجم المفارقة بين المزاج الشعبي، والتصرفات الحكومية الرسمية، وعليه يمكن القول: إنه إذا كانت الحكومات تمثل إرادة البرلمان المنتخب، وبالتالي تمثل إرادة الناخبين، فإن المزاج الشعبي يتعارض مع الموقف الحكومي، وعليه نقول: هل من العافية أن يبقى هذا التعارض؟ أم أن العافية تقتضي المراجعة لإيجاد حالة انسجام بين مراد الشعب، وسياسة الحكومة الرسمية؟
الحالة في الأردن هي عينها الحالة في مصر، وهي عينها الحالة في الإمارات العربية، وفي المغرب، ولن تجد شعبًا مسلمًا يقبل التطبيع مع دولة تحتل القدس، وتعبث بالمسجد الأقصى، وتتنكر للحقوق الفلسطينية.
(إسرائيل) ليست دولة احتلال فحسب، بل هي أيضًا دولة عدوان، وهي دولة تقف خلف كل نار تشتعل في المنطقة، أو يمكن أن تشتعل، ولعل الشعب في الأردن ومصر وفي سائر دول التطبيع يدرك طبيعة (إسرائيل) العدوانية، ومن ثم تشعر بخطر كبير يتهدد مصالحها ومستقبلها من الطبيعة العدوانية لهذه الدولة، التي تحيك المؤامرات داخل الوطن العربي، والشرق الأوسط.
ثلاثة عقود مرت على اتفاقية (وادي عربة)، وعلى اتفاقية (كامب ديفيد)، وستمر عقود أخرى بعدد أو بدون عدد، ولن يتغير المزاج الشعبي إزاء (إسرائيل) الدولة المحتلة والدولة العدوانية، ولن تجدي سياسة التطبيع الحكومية في تغيير المزاج الشعبي الرافض للتطبيع، قالت الغالبية من الشعب الأردني: إنهم لا يقبلون مساعدات إنسانية من (إسرائيل) في حالة الكوارث، لأنهم يعتبرون أن الكارثة الكبرى هي وجود (إسرائيل) كدولة احتلال وعدوان.