لا يزال الاحتلال يكثف عدوانه في المسجد الأقصى، ويندفع نحو تعزيز سلوكه المتطرف في كل الساحات، تزامنًا مع المقترح الذي تقدم به عضو الكنيست الصهيوني "هليفي" الذي دعا خلاله إلى تقسيم المسجد الأقصى، إذ يشير المقترح إلى تخصيص المنطقة الجنوبية من المسجد للفلسطينيين، والمنطقة الشمالية بما فيها "مسجد قبة الصخرة" للاحتلال الصهيوني، ويؤكد المقترح أن العقيدة اليهودية المزعومة تشير إلى إمكانية البدء في إجراءات الهدم في ضوء توجه أعضاء الكنيست المتطرفين لدعم المقترح أمام الكنيست والذي هو بالأساس يعتمد على خطة الاحتلال في تقسيم الأقصى مكانيًا وزمانيًا، إذ إن جُل المقترحات والدعوات الصهيونية التي تصدر عن منظمات يهودية يمينية أو أعضاء في حكومة نتنياهو مثل "بن غفير" تحمل نفس التوجه، وهو تهويد الأقصى كجزء رئيس من تهويد مدينة القدس بأحيائها الإسلامية والعربية التي يعيش بها الفلسطينيون والعرب منذ آلاف السنين.
هذه الدعوات تأتي في سياق الاستعدادات التي يجريها الجيش والتي أطلق عليها "الضربة الساحقة" خشية من تعرض الاحتلال لهجوم واسع من محور المقاومة الذي يُجري هو الآخر استعدادات كبيرة لمرحلة المواجهة المسلحة مع الاحتلال، والتي قد يكون عنوانها وبوصلتها وقبلتها المسجد الأقصى، وهو ما أكدته قوى المحور في فعاليات يوم القدس العالمي التي أشارت إلى توظيف الجهد الدبلوماسي والعسكري لحماية الأقصى، بالتوافق مع جميع الأطراف التي سيكون لها دور مهم في الدفاع عن حرمة المسجد وتاريخه الذي لا يقبل التزوير أو الخذلان.
وفي ساحتي غزة والضفة الأكثر اشتعالًا، لا يزال الاحتلال يترقب إمكانية تنفيذ عمليات فدائية كرد على إجراءات ومحاولات الاحتلال في تقسيم الأقصى، إذ إن تقديرات المنظومة الأمنية الصهيونية تؤكد أن التقسيم ليس بالأمر بالسهل، باعتبار أن المقاومة لن تتنازل عن المعادلة التي فرضتها بعد معركة سيف القدس، وأن حالة الهدوء التي أعقبت معركة ثأر الأحرار لن تستمر طويلًا في ظل خيارات حكومة نتنياهو التي لا تمتلك أي خبرة سياسية في التعامل بحذر مع ملف القدس.
إذ تسعى هذه الحكومة إلى البحث عن إنجازات تاريخية في ظل معاناتها على المستوى الداخلي، وصولًا لطوق النجاة التي تعتقد تلك الحكومة أن اللعب بأوراق ساخنة في المسجد الأقصى سيمنحها فترة زمنية ممتدة، لتكون قادرة على تحقيق إنجازات أخرى، على حساب دماء ومقدرات ومصير الشعب الفلسطيني.
باعتقادي أن معادلة الصراع في الأقصى، هي المعادلة الحاسمة، ومن الصعب على العدو أن يصل إلى مرحلة الحسم في ظل مراكمة المقاومة لترسانتها العسكرية، وإستراتيجياتها التي تعتمد على توظيف كل الجهد لردع الاحتلال، إذ لا يزال المستوى السياسي والأمني الصهيوني يؤكد "أن استعادة الردع بحاجة لفترة زمنية أطول ومضاعفة الجهد العسكري لمهاجمة قوى المقاومة"، وهو ما يرخي بظلاله على قرارات حكومة نتنياهو التي تحاول التوازن بين الإجراء الإستراتيجي، والآخر التكتيكي، في ظل التحديات التي تمر بها، سواء أمام قوى المقاومة في غزة ولبنان، أو أمام تعزيز خلايا المقاومة في الضفة لدورها الوطني إذ باتت تشكل مهددًا حقيقيًا للمستوطنين ووحدات الجيش التي تنتشر عبر الحواجز العسكرية، وهو ما أقر به وزير الأمن الوطني "بن غفير" حين دعا لتسليح المستوطنين، وتعزيز وحدات من الجيش على تخوم المستوطنات والمناطق الأكثر سكنًا.
أما على المستوى الإقليمي، فينبغي أن تتوحد الرايات، وتُوظف الطاقات، وتعلو في كل شوارعنا العربية الصيحات، وأن تتعزز الهمم، وتتعاظم كالقمم، وألا يكون الرد على الاحتلال مجرد شعارات، بل يكون فعلًا وخيارات مبنية على توجهات يؤمن بها كل الأحرار والأخيار والأطهار.