فلسطين أون لاين

تقرير اعتقالات أمن السلطة في "عصيرة الشمالية".. ليلة دامية "حرقت أعصاب" العائلات

...
أجهزة السلطة تعتدي على أحد المواطنين بالضفة الغربية (أرشيف)
نابلس-غزة/ يحيى اليعقوبي:

أصوات سيارات وجلبة خارج المنزل وصلت إلى مسامع زوجة المعلم مُفدّى سعادة الساعة الواحدة فجرًا من يوم الثلاثاء الماضي، فاعتقدت أنها مركبات جيش الاحتلال، قبل أن تتتبع من شرفة المنزل مصدر الأصوات، لتجد باصًا وثلاث مركبات لأفراد من جهازي الأمن الوقائي و"الأمن الوطني"، وسيارة مدنية لمسؤول السلطة ببلدة عصيرة الشمالية شمالي نابلس.

أحاطت القوة الأمنية العمارة وحاصرتها من كل جانب، وواصل أفرادها قرع باب مدخلها تمهيدًا لخلعه، في مشهد حرك أمام زوجة سعادة مشاهد اقتحام جيش الاحتلال منازل المواطنين وما يتخلله من اعتداء وقمع.

"أيقظت زوجي من النوم وأخبرته أن أمن السلطة على باب البيت، مع استيقاظ سكان العمارة من صخب الضربات"، لم يكن ما ترويه زوجته لصحيفة "فلسطين" مفاجئًا لزوجها، الذي بات اعتقاله أمرًا متكررًا ومعتادًا، إذ اعتقل ست مرات، واستدعي مرات كثيرة لا تستطيع حصرها.

اعتقال متكرر

تروي بقية التفاصيل: "عندما فتح لهم زوجي الباب، سألوه: هل أنت مُفدَّى؟ فأجابهم: نعم، وطلبوا وثيقته الشخصية للتأكد، ثم فتشوا البيت كاملا، ودخلوا جميع الغرف وفتحوا بعض الخزن، واستمر وجودهم عشر دقائق، واقتادوه معهم".

في الصباح استيقظ أطفالها الأربعة ليجدوا البيت فارغًا من صوت والدهم، وقفت أمام بكاء طفلتها بتول (4 أعوام) التي أعادت طرح أسئلة وجهتها لأمها حينما اعتقل والدها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لمدة 11 يومًا في سجون السلطة، وبعد الإفراج عنه بيومين اعتقله الاحتلال 40 يومًا.

"متى راح ييجي بابا؟ وكم يوم لازم أنام عشان ييجي؟ ليش أخذته السلطة؟".. أسئلة لم تبذل سعادة جهدًا كبيرًا في شرحها لطفلتها التي كبرت على تناوب السلطة والاحتلال على اعتقال والدها، وباتت تفهم ما يدور حولها، تعلق بقهر: "الاعتقال قلب نظام حياتنا، خاصة أن الأولاد يتعلقون بوالدهم كثيرًا".

ويعمل سعادة مدرسًا بوزارة التربية والتعليم منذ ما يزيد على 20 عامًا، وشارك في الإضراب الأخير الذي نظمه المدرسون لتحصيل حقوقهم، ترجح زوجته أن يكون هذا سبب الاعتقال، نتيجة مشاركته في الإضراب الذي خاضه قرابة 20 ألف معلم ومعلمة.

وتشن أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات واسعة شملت عدة محافظات بالضفة الغربية، تطال عددا من النشطاء والطلبة والمحررين، مع استمرار زج العشرات في سجونها.

نائب رئيس البلدية

ولم يسلم نائب رئيس بلدية عصيرة الشمالية براء جرارعة من الاعتقال، وهو ثالث اعتقال له منذ استلامه منصبه، والسابع له على يد أجهزة أمن السلطة.

ومنذ أسبوع تعيش زوجته وأطفاله الأربعة حالة من القلق والترقب، على أمل أن تفي أجهزة أمن السلطة بوعودها المتكررة للإفراج عنه.

بكلمات ممتلئة بالقهر تصف جرارعة لـ"فلسطين" الاعتقال السياسي بأنه "حرق للأعصاب"، وتقول: "كل يوم نسمع وعودا بالإفراج عنه، فنتواصل مع المحامي ونجري اتصالات مع المسؤولين ونذهب للمحكمة والنيابة، وفي النهاية يخبروننا بتأجيل الإفراج لليوم التالي وهكذا تستمر حلقة التأجيل وكل مرة بحجة مختلفة".

ولدى جرارعة مكتب هندسي، ونتيجة اعتقاله -كما تفيد زوجته- تضرر عمله وتأجلت أعماله وأحدها يشرف فيه على مشروع لشركة فرنسية، تردف: "أخبرتهم أن لديه ظرفا قاهرا ومددنا إجازته لثلاثة أيام ووقعنا في حرج معها".

واستطاعت جرارعة زيارة زوجها المعتقل لمرة واحدة، أول من أمس، وخلالها اصطحبت أطفالها الأربعة أصغرهم طفلته الرضيعة "مودة" لم تتجاوز شهرها الأول في الحياة "نغصت السلطة فرحتنا بقدومها".

اقرأ أيضاً: نابلس.. أجهزة السلطة تعتقل نائب رئيس بلدة عصيرة الشمالية براء جرارعة

والمهندس جرارعة مُحرر من سجون الاحتلال، ومعتقل سياسي لدى أجهزة السلطة عدَّة مرات، ويحمل شهادة الماجستير من كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية.

الاعتقال الأول

بطرق الاعتقال السابقة ذاتها، تفاجأت والدة زيد سوالمة بمداهمة بيتها الساعة الثانية فجرًا، وتخريب محتويات البيت خلال دقائق حتى "انقلب رأسًا على عقب"، انتهت المداهمة باعتقال ابنها الذي يدرس في كلية الهندسة بجامعة النجاح.

تفاجأت سوالمة باعتقال السلطة ابنها لأول مرة، تقول لـ"فلسطين": "الموقف صعب لأن ابني يعاني ألمًا في أسنانه، والأصعب أن يعتقله أبناء جلدتنا، وأن يُستهدف الشرفاء والمتفوقون في جامعاتهم في حين يسرح أهل الجنح والعربدات ويمرحون".

وأضافت: "الاعتقال السياسي مؤلم لأنه لا تحترم فيه قرارات المحاكم ولا تنفذ أحكامها ويتم الافتراء وتلفيق التهم للمعتقل وتقدم للقضاة، في حين لم يسمع المعتقل نفسه عن هذه التهم إلا في المحكمة، لا أحد آمن، والكل معرض للاعتقال بتهمة وبدونها.. نشكو بثنا وحزننا إلى الله".

من جانبه، عد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس مصطفى أبو عرة الاعتقالات السياسية "جريمة وطنية يندى لها الجبين"، تعمل على تفسيخ النسيج الاجتماعي وتعميق الشرخ بين أبناء شعبنا، وهي اصطفاف لجانب الاحتلال ولا يستفيد منها غيره.

وقال أبو عرة لـ"فلسطين": إن أجهزة أمن السلطة جعلت نفسها في موقف العداء لشعبها بتعاونها الأمني مع الاحتلال وتبادل الأدوار بينهما، محذرا من أن استمرار الاعتقال السياسي يشكل خطراً كبيراً على وحدة شعبنا، وفيه ضرب للمقاومة ومحاولة لتصفيتها.

وأكد عدم وجود حريات حقيقية في الضفة، فالملاحقة التي تنفذها أجهزة أمن السلطة والاحتلال لا تستهدف المقاومة وحدها بل تلاحق الكلمة والرأي والمخالفين السياسيين، وتتركز في الأماكن النشطة كالجامعات وضد الرموز السياسية.