الواضح أن عملية حوارة جنوبي نابلس شمال الضفة المحتلة، التي أسفرت عن دهس جنديين إسرائيليين الاثنين الماضي، جاءت ردًا طبيعيًا على جرائم الاحتلال المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وكان آخرها استشهاد الطفل محمد التميمي متأثرًا بإصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة النبي صالح في رام الله، والسؤال الموجه للاحتلال، لماذا قُتل الطفل التميمي بدم بارد؟ هل كان يمثل خطرًا على جنوده أم هي سياسة الغلو في الدم الفلسطيني كبارًا وصغارًا ونساء وشيوخًا دون تمييز؟
هذه المرة ليست الأولى التي يقترف فيها الاحتلال الإسرائيلي جريمة قتل الطفل التميمي، فقد سبق له قتل ستة أطفال وأمهاتهم في العدوان الأخير على غزة، بعد قصف منازلهم على رؤوس من فيها، بل إن هذا العدد يضاف إلى سجل حافل للاحتلال بقتله الأطفال الفلسطينيين، بداية نتذكر استشهاد الطفل محمد الدرة في الانتفاضة الثانية عام 2000، ومنذ ذلك الحين فإنَّ حصيلة الشهداء الأطفال في تزايد مستمر، فبحسب بيانات رسمية فلسطينية، فإنَّ أكثر من ألف طفل فلسطيني استشهدوا في 5 حروب شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على غزة، منهم 315 طفلًا استشهدوا في الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة 2008-2009، وفي عدوان عام 2012 استشهد 43 طفلًا، وفي أطول حروبها على القطاع عام 2014 التي استمرت لأكثر من 51 يومًا استشهد 546 طفلًا، كما استشهد 72 طفلًا في عدوان عام 2021 الذي استمر لـ11 يومًا.
إنَّ هذه البيانات المُخيفة لأعداد الأطفال الشهداء توثق جرائم الاحتلال، الذي يعمد إلى استهداف الأطفال الفلسطينيين بقتلهم بدم بارد، بل إنها سياسة ثابتة يتبعها الاحتلال، دون رادع من ضمير أو خشية من القانون الدولي الإنساني أو محاسبة العدالة الدولية، لأنه -أي الاحتلال- يرى في الصمت الدولي تجاه جرائمه بيئة مواتية لتصعيد عدوانه على الشعب الفلسطيني، وهنا يجدر بنا الإشارة إلى التخاذل العالمي فيما يخص قتل أطفال فلسطين، في حين نجده يتحرك بقوة في أي مكان آخر، وهنا لا بُدَّ من طرح هذا السؤال: متى سيتحرك وجدان المجتمع الدولي إذا لم يتحرك أمام الجرائم والفظائع التي تمارسها قوات الاحتلال تجاه الفلسطينيين بكل فئاتهم وتقوّض حقوقهم المشروعة بمسلسل الانتهاكات الصهيونية المتواصلة لجميع القيم الأخلاقية والقانونية ضاربة عرض الحائط بكل القوانين الدولية ولا تعيرها أي اهتمام؟ وكيف ستَنصاع (إسرائيل) للقانون الدولي وهي تستعلي عليه؟
إن كيل المجتمع الدولي بمكيالين وعدم محاسبة (إسرائيل) على جرائمها وانتهاكاتها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، هو بمثابة إعطائها الضوء الأخضر للتمادي في التمرد والتنمر والعربدة على قراراته، فكل ما نسمعه عبارة عن إدانة لا تتناسب مع حجم الجريمة، مثلما أدان المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية التسوية في الشرق الأوسط تور وينسلاند، جريمة قتل الطفل التميمي بقوله: "إن أطفال فلسطين لا يزالون يدفعون الثمن"، فالتصريحات الباهتة كالشجب والإدانات لا تكفي لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف جرائمه ضد الأطفال الفلسطينيين.
إن الصمت الدولي المطبق تجاه معاناة الشعب الفلسطيني يكشف بوضوح ازدواجية المعايير لدى الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الصهيوني لتكشف بذلك زيف خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتشدق بها ليلًا نهارًا، وتعطي لنفسها الحق في التدخل بشؤون الدول وارتكاب الفظائع بحق الشعوب، وفي المقابل تلتزم الصمت على الجرائم الإسرائيلية.
أعتقد أن الشعب الفلسطيني أخذ المبادرة بيده لتحرير نفسه بنفسه بمواصلة المقاومة مهما كلفه الأمر، لتأَكده بأن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة بالرد المماثل على كل جريمة يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وهذه المرة جاء توقيت عملية حوارة ليؤكد من جديد على سرعة رد المقاومة على جرائم الاحتلال في القدس وبقية الضفة المحتلة المتواصلة مهما شدد الاحتلال من إجراءاته القمعية، إذ إنها عملت على تهشيم كل النظريات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي اعتمدها في الآونة الأخيرة، بكسر هيبته وتحطيم قوة "الردع" التي كان يتغنى بها على الدوام، فهذه أصبحت مداسًا تحت أقدام المقاومين، ولعل رسالة حوارة قد وصلت، بأن تدرك حكومة الاحتلال أن معادلة قتل الفلسطيني ليست سهلة وسيقابل ذلك بالرد.