لم ألتقِ مع الرجل، ولم أتعرف عليه عن قرب، ومع ذلك، فالصورة العالقة في ذهني للمجاهد رمضان عبد الله شلَّح، مقترنة بتلك اللحظات البهية من عمر القضية الفلسطينية، حين ظهر الرجل مع رفيق دربه المجاهد خالد مشعل سنة 2012، وهما يعلنان من وسط القاهرة انتصار المقاومة، والوصول إلى التهدئة بعد 8 أيام من مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كان الظهور المشترك لخالد مشعل ورمضان شلَّح عبر وسائل الإعلام رسالة وحدة وطنية وإسلامية، تم الرد من خلالها على مزاعم الخلافات والفرقة داخل الساحة الفلسطينية، فالوحدة الميدانية بين تنظيمات المقاومة كانت الرد العملي على حديث الانقسام، وهذا ما ميز المجاهد رمضان عبد الله شلح، وقد استمعت أكثر من مرة للدكتور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وهو يشيد بالدكتور رمضان شلَّح، ويثني على مواقفة السياسية والتنظيمية، ويؤكد دوره الإيجابي في تقريب وجهات النظر بين الحركتين بشكل خاص، وفي الساحة الفلسطينية بشكل عام.
لقد تميز المجاهد أبو عبد الله بمواقفه الثابتة من أربع قضايا مركزية، تخص الساحة الفلسطينية، وهي:
الأولى- الرفض المطلق لاتفاقية أوسلو، ولكل ما نجم عنها من متغيرات على الأرض، والإصرار على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وأن فلسطين لا تقبل القسمة، ولا تنازل عن شبرٍ من أرضها للأعداء.
الثانية- لا مساومة في موضوع البندقية الفلسطينية، والبندقية المقاومة هي الطريق القويم لمواجهة العدو الإسرائيلي، ولا طعم لأي وحدة فلسطينية من خلف ظهر البندقية المقاومة، وهذا موقف مبدئي وثابت، لا يحيد عنه الرجال الأوفياء للوطن.
الثالثة- الحرص على وحدة الصف الفلسطيني، فقد تميز أبو عبد الله بالعطاء الدافق، والنفس الوحدوي الصادق، وقد كشفت قراراته وأحاديثه عن إيمانه بأن الوطن فلسطين ملك لكل الفلسطينيين، ولكل التنظيمات الحق في أن تكون شريكة في تحرير الأرض الفلسطينية، على الرغم من تباين المواقف السياسية، فالتنظيمات ليست نسخة طبق الأصل، فإن اختلفت بينها، فإنها تلتقي على حياض التضحية والفداء، لتتحقق الوحدة مع كل تنظيم يؤمن بأننا أصحاب الحق في كل فلسطين، وأن طريقنا لتحقيق الهدف هو المقاومة.
الرابعة- وهي النقطة التي يُبنى عليها كل ما سبق، وتتعلق بالعقيدة الجهادية، والاستعداد للتضحية دون انتظار عرض الدنيا، ولا طريق لتحقيق التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني دون عقيدة، يعتصم بها الشباب، ولا أصدق من تعاليم الدين الإسلامي، التي تحرّض المؤمنين على القتال، وتعد الأرض التي ينبت منها الإنسان المؤمن الواثق القوي الوفي، فالإسلام هو المدرسة الروحية التي تصقل النفس البشرية، وهو جذع الشجرة الذي تتصلب عليه المواقف، وتتفرع منه أغصان الولاء والنقاء والفداء.
لقد ظل المجاهد أبو عبد الله، رمضان عبد الله شلَّح وفيًّا لمعتقداته، أميناً لمبادئه، واثقاً من خطواته، لم يرتجف أمام الشدائد، ولم يضعف أمام المغريات، ولم تخُنه الفراسة في اختيار درب الجهاد، ومواصلة السير في الاتجاه نفسه، حتى قضى نحبه.