غزة تحت القصف! كم مرة قرأنا هذا العنوان ومر علينا مراراً وتكراراً دون أن نعيره أي اهتمام أو يحرك فينا شعرة واحدة كالتي تتحرك حينما نقرأ عن تعذيب أحدهم لكلب أجلكم الله أو قطة فتذرف الدموع وتُبحُ الأصوات المناشدة لفرض عقابٍ قاس على هذا المجرم؟
وأنا هنا لا سمح الله لا أستصغر جرم هذا الفعل المحرم شرعاً وإنسانية ولكني أتحدث هنا عن استصغارنا لفعل أكبر منه وأشد قسوة وهو تصفية شعب بأسره وبنيران العدو الإسرائيلي ولا يحرك فينا أي ساكن إلا عروق الانتقاد والاستنكار التي عادة ما تفز في أجسادنا لحظة وتعود لما كانت عليه من الهدوء الساكن الكامن فينا في الوقت الذي يجب أن نثور فيه لفداحة هذا الجرم وعظم هذا الإجرام الذي أخشى فيه أن أصف إسرائيل بالعدو فيثور المطبعون ويرونه عنصرية لا يجب أن تظهر في الوقت الذي يتدافع بعض العرب للتطبيع الذي لا يجب أن يكون في هذه الظروف التي لم يتسع فيها صدر الإسرائيليين لحقوق الفلسطينيين التي في ذمتهم ولم يُعطَ للفلسطينيين أي حق لهم في الدولة والحدود المستقلة والسيادة الذاتية التي لا تخضع للاحتلال في المداخل والمخارج والطرقات وحق التملك والمواطنة على أرض هي للفلسطينيين أصلا قبل أن يهبها وعد بلفور وطناً لليهود ليستوطنوا بالقوة ويجردوا أهل هذا الوطن من أي حق لهم، وتتوالى الأيام وعقود الزمن لنؤمن بأن للإسرائيليين وطناً هو فلسطين وهي التي يجب أن تصبح دولتين غير متعادلتين لشعب هو صاحب الأرض والملكية الأبدية ومحتل قادم من الشتات عاث في أوروبا فساداً وخراباً فلم يكن من الأوروبيين سوى اختلاق وطن لهؤلاء الذين لم يكونوا حينها سوى شرذمة وقطاع طرق واختاروا أرض فلسطين العزيزة لتؤوي هؤلاء الذين سكنوا على جماجم المقاومين الفلسطينيين الذين ضحوا بحياتهم ودمائهم لتظل أرض أولى القبلتين وثاني الحرمين لأهلها وللأشراف العرب ومن دخلها مسالماً موقناً بحق أهلها فيها، ولكن للأسف استوطن هؤلاء وأول ما فعلوه هو سلب كل أرض فلسطيني لهم ونهب خيرات هذه الأرض لتصبح يهودية الجنسية بعد أن كانت فلسطينية الهوية والمنشأ والأرض وتتوالى الأعوام لتجد إسرائيل من يدعمها من كبار الدول العظمى وتلقى من يسندها حينما تهزها نيران المقاومة الفلسطينية وتتقدم لتمد جذورها الآثمة في قلب الأرض العربية الفلسطينية وتلقى من أشقاء الفلسطينيين العرب من يرى فيها جاراً أميناً موثوقاً به ولتمتد أيادي التطبيع من حيث لا يدري به الفلسطينيون الذين وثقوا بأنه يمكن لهذا التطبيع أن يخفف عنهم معاناتهم من السياسة الإسرائيلية المتعنتة التي عمقت الاستيطان الإسرائيلي في جذور أرضهم وطردتهم من بيوتهم وبساتينهم وحقولهم واقتلعت أشجار الكرم الفلسطينية في محاولة لاقتلاع جذور أهلها الأصليين منها، ولكن لطالما أتت رياح التطبيع بما لا يتوافق مع الأمنيات الفلسطينية فوثقت العلاقات العربية الإسرائيلية في حين ظل حق الفلسطينيين عند هؤلاء المطبعين شعارات واهية وانتقادات هزيلة للجانب الإسرائيلي ودعوات باهتة للجلوس على طاولة الحوار وإعادة عملية السلام التائهة إلى خطها السياسي الواضح.
واليوم وبينما قطاع غزة الواقع تحت حصار جائر منذ عام 2007 تحت نيران القصف الإسرائيلي المتواصل يوجد من يحتفل بطقوس التلمود المحرف على أرضه العربية برفقة جالية واسعة من الإسرائيليين، بل ويهنئ جموع الإسرائيليين بذكرى استقلالهم المرادفة طبعًا لذكرى احتلالهم فلسطين، فكيف لنا أن نثق بعد هذا وغيره أن الشعور الحي يمكن أن يحيا من جديد في نفوسنا وكل المؤشرات الحية تثبت أن المهرولين (لإسرائيل) باتوا أكثر بكثير من المؤمنين بحق الفلسطينيين في أرض باتوا هم فيها الغرباء للأسف وإن ما زالوا يدعون أنهم أصحاب حق لأرض لم تعد لهم!