من يوم الخامس من حزيران عام 67 ما زال هناك سؤال يطاردنا: كيف تمكّنوا منا بهذه السهولة؟
من زرع فينا قابلية الهزيمة؟ وكيف؟ من نزع منّا مخالبنا؟
اليوم بقضّهم وقضيضهم يعانون معاناة شديدة في محاولتهم السيطرة على مخيم جنين (على صعيد المثال) كيلو متر مربع واحد.
فرّوا في غسق الليل من لبنان عام 2000 وأصبح لبنان الذي كان يسمّى الخاصرة الضعيفة للوطن العربي، مرهوب الجانب ويشكل توازن الردع بكلّ جدارة واقتدار.
وغزّة كذلك بمقاومتها أصبحت شوكة في حلوقهم، أو قل المنجل الذي لا يقدرون على بلعه ولا لفظه، يقفون على أعتاب غزّة في خيارات صعبة أحلاها مرّ، فإعادة احتلال غزّة مكلفة جدا والمكلف أكثر الاستمرار في هذا الاحتلال، هذا إن استطاعوا ذلك، غزة جعلت كلفة الاحتلال باهظة الثمن، ما يجعل حسابات الاحتلال قاسية ومؤلمة جدا.
كيف سيطروا على الضفة وغزة وسيناء والجولان؟ من هيأها وجعلها لقمة سائغة؟
لذلك فإن الشعوب أمام مسارين لا ثالث لهما:
* مسار مواجهة السياسات الاستعماريّة وبرنامج الاستعداد واستنهاض الهمم ونشر ثقافة رفض المستعمر ومقاومته، ويرتّب على هذا العمل الجاد على الصعيدين المادّي والمعنوي.
* ومسار الخضوع والاستسلام واللامبالاة للمخاطر المحدقة التي يجب أن تكون متوقّعة حسب قراءة الواقع الذي لا مكان فيه للضعفاء وأهل العجز والكسل، وبالتالي لا يكون أمام هذه الشعوب المستسلمة سلفا أو الخاضعة لمن يهيئها لهذا الاستسلام إلا انتظار النكبات والنكسات وخيبات الأمل.
للأسف اشتغلوا علينا لنكون من أصحاب المسار الثاني فسقطنا في ست ساعات وليس ستة أيام، كانت كتلة بشرية في الضفّة وقطاع غزّة قبل عام 67 محكومة بالحديد والنار ومغيّبة لا وزن لها ولا دور ولا إرادة، حتى الحراك السلمي الذي يعزّز رفض الاحتلال ويقوّي روح الانتماء لفلسطين لم يكن ليسمح به ولم تكن هذه الكتلة البشرية على وعي بدورها وإمكانات تحرّكها وانخراطها في العمل المقاوم للمحتلّ.
وما زال هناك من يشتغل للمسار الثاني ويناصب العداء لمن يشتغل على المسار الأوّل.
إلا أن هناك جذوة تثبت حق هذا الشعب في التحرّر والخلاص، ما جرى بعد عشرين عاما من النكسة حيث اندلعت انتفاضة الحجارة عام سبعة وثمانين يثبت أن إمكانات التحرّر والخلاص من تداعيات النكبة والنكسة موجودة، وكذلك عجز هذا الاحتلال عن فرض سيطرته كما حدث عام 67 يشير إلى أن القادم لا يشي بتكرار النكسات، وإنما ستكون النكسات من نصيبهم، ولكن هذا يتطلّب أن نستمسك بالمسار الأول مهما طال الطريق أو قصر، فالمسألة مرهونة بما هي عليه أحوالنا وأيّ المسارات نختار.